مايو 18، 2009

عرض بارزاني باستضافة الإقليم اللاجئين الفلسطينيين يثير ردود فعل متباينة من جانب الاكراد


بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ابو مازن اقليم كردستان العراق قبل اكثر من ثلاثة اسابيع ، وتلقيه وعدا من رئيس الاقليم مسعود بارزاني بالسماح للاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق ، بالانتقال الى اقليم كردستان هربا من المضايقات وحالات الاعتداء التي يتعرضون لها، انتاب الشارع نوع من الهستيريا المقرونة بالغضب والامتعاض من قرار السماح للاجئين الفلسطينيين بالقدوم الى كردستان ، لاسيما من جانب القوميين الكرد المتطرفين ، بالرغم من نفي الاوساط والمصادر الرسمية في الاقليم ، ابرام اي اتفاق مع الجانب الفلسطيني بهذا الخصوص، واقتصار الامر على مجرد عرض من جانب بارزاني لنظيره ابي مازن ترحيبا بمقدمه، ومجاملة له بعد ان شكى من هول ما يتعرض له الفلسطينيون من حيف وقهر في العراق .
الآراء حول هذه القضية متضاربة بشدة بين مؤيدين لمبادرة بارزاني من وجهة النظر الانسانية ، وجلهم من الكرد الذين عانوا من مرارة عمليات النزوح والاقامة لاجئين في دول الجوار وممن يدركون عمق تلك المأساة الانسانية الرهيبة التي يعانيها الفلسطينيون حاليا في العراق ، وبين رافضين لها بقوة وجلهم من حملة الافكار القومية المتطرفة الذين يرون في العنصر العربي ايا كانت جنسيته عدوا لهم .
المؤيدون لمبادرة بارزاني يرون فيها خطوة دبلوماسية صائبة تختلف كليا عن الشعارات الطنانة والتصريحات النارية. فيما يرى الرافضون للمبادرة ان السماح للفلسطينيين اللاجئين في العراق بالقدوم الى كردستان ، هو اكبر خطأ سياسي يمكن ان ترتكبه القيادة الكردية في تاريخها المعاصر ، انطلاقا من رؤيتهم بان هؤلاء الفلسطينيين هم احفاد واخوة الملازم الفلسطيني الشهير " محسن " سيىء السمعة والصيت الذي تولى ادارة جهاز الامن البعثي في السليمانية ابان الثمانينات من القرن الماضي وارتكب شنائع وفظائع لايصدقها العقل السليم ، مازالت مشاهدها حية في اذهان اهل السليمانية ، قبل ان يتولى ابادة ضحايا حملات الانفال في صحارى السماوة بجنوبي العراق بعد ان اصبح مسؤولا كبيرا في جهاز الامن السابق في العراق بدرجة عميد ، علاوة على كون معظم الفلسطينيين الموجودين في العراق من اخلص الموالين لنظام البعث السابق ومن المنتمين للخلايا الارهابية المسلحة المحظورة في البلاد .
ويطرح كل من الفريقين سلبيات وايجابيات قدوم الفلسطينيين اللاجئين الى الاقليم ، من وجهة نظره الخاصة وطبقا لرؤيته المحدودة ومعالجته للموضوع وتعاطيه معه ، فالفريق المؤيد لقدوم اللاجئين يرى ان السماح لهم بالاقامة في الاقليم ،هو بمثابة رسالة من الشعب الكردي الى جارته الامة العربية المؤلفة من 22 دولة عربية مفادها ان الكرد الذين لا دولة و لاكيان لهم احتضنوا اخوانهم العرب الفلسطينيين المنكوبين ، بينما رفضت الدول العربية ذات السيادة والنفوذ استقبالهم ، كما ان الامر سيسهم الى حد كبير في تخفيف الاحتقان في العلاقات الكردية – العربية على مستواها العام ، فضلا عن انه سينعكس بالايجاب على مواقف الدول العربية الكبرى حيال الكرد لاسيما على صعيد قضية كركوك ، ومزايا اخرى .
اما الفريق الرافض للفكرة فيرى ان قدوم اولئك اللاجئين المتورط معظمهم في قضايا ارهابية ، سيثقل كاهل الاقليم امنيا وسيعزز من المخاطر والتحديات التي تواجه الاقليم على الصعيد الامني ولاسيما في مجال محاربة الارهاب ، فضلا عن اسهامه في خلق اجواء ومناخ مناسبين لاحتدام النزاع القومي بين المتطرفين الكرد والفلسطينيين العرب ، وقد يهيىء الفرص للكثير من المارقين للأنتقام والثار منهم تحت شتى المسميات والذرائع ، وفوق كل هذا وذاك يعتقد انصار هذا الفريق ان اللاجئين الفلسطينيين هم نذير شؤم وكوارث اينما حلوا في البلاد ، فقد حطوا رحالهم في لبنان مطلع الثمانينات فعاثوا فيه خرابا ودمارا على مدى 15 عاما من الحرب الطائفية والاهلية الطاحنة ، ثم رحلوا الى تونس فنقلوا اليها معهم النكبات الواحدة تلو الاخرى ، وجاؤوا الى العراق وحصل فيه ما حصل من مآس وويلات يعرفها القاصي والداني في ارجاء المعمورة .
وازاء الآراء والمواقف المتضادة لهذين الفريقين حيال مسالة اللاجئين الفلسطينيين الذين اكدت السلطات في الاقليم مرارا وعلى لسان كبار مسؤوليها بانها تسمح فقط بقدوم العناصر الذين تتكفلهم السلطة الفلسطينية امنيا ، يتوجب على السلطات ومراكز القرار في الاقليم ان تتعامل مع هذا الملف الشائك والمعقد للغاية بقدر كبير جدا من الحذر والدقة ، وان تقيس الامور بميزان الذهب ، لئلا تنقلب بادرة الرئيس بارزاني الانسانية الى نقمة تحرق لهيبها الكرد قبل الفلسطينيين.