مارس 05، 2009

تأليف الذرائع للهروب من المسؤولية


ايوب بارزاني

بعض الخواص الملازمة للحكومات الفاسدة، والتي فقدت ثقة شعبها، وتعاني من فقدان المصداقية داخلياً وخارجياً. وتصبح عرضة للنقد وتصاعد الاستياء الشعبى، بدل قبول الاستماع الى الانتقادات والسعي الى تبني أسلوب التغيير في أداء المهام المناطة بها، تلجأ الى وسائل أخرى بهدف التحايل على الجماهير و تضليلها.

الأسلوب المعروف يتركز في خلق المخاطر الوهمية أو تضخيم خطر خارجي يهدد أمن البلاد، وتخويف الجماهير بإطلاق تصريحات من أعلى المستويات الحكومية عن التهديد الوشيك الوقوع. وغالباً ما يربط المسئوولون هذا الخطر الجديد بالمآسي التي شهدتها الجماهير في العقود السابقة. والتي ظلت عميقة في الوجدان الجماعي للشعب الذي عانى من هذه المآسي.

ومعروف في هذه الحالة، تلجأ الإدارة الفاسدة التي فقدت شعبيتها إلى تأليف ذرائع بهدف تخويف الجماهير وإيجاد نوع من القلق، بحيث تفقد الجماهير ملكة الشعور بالأمان، أي خلق شعور باقتراب التهديد والخطر. ولا تختلف حالة الجماهير عن حالة الإنسان الفرد. فعندما يخاف الإنسان على حياته، حياة وكرامة أفراد أسرته وأقاربه، يقبل حماية رجل قوي، ومقابل هذه الحماية يتنازل عن حريته وكرامته، فيستسلم للحامي "الرجل القوى" وفي حالة الجماهير للدولة التي تزعم إنها قادرة على حمايتهم، مقابل استسلام الجماهير لإرادة الحكومة.

ومن هنا تسكت الجماهير التي وقعت في فخ الدعاية المضللة للحكومة الفاسدة، عن جميع جرائم واختلاسات وخروقات "الحكومة المستبدة". أي تكسب الحكومة بفضل سياسة التضليل ليس فقط صمت الجماهير بل انصياع الجماهير لخطط الحكومة والانقياد ورائها إلى حيث تريد.

إن تلهية الجماهير بالتهديدات الخارجية أمر معروف لدى معظم الدكتاتوريين الذين يريدون البقاء الى ما لا نهاية في السلطة يسومون الشعب صنوف الإذلال والاستغلال لمصالح شخصية أو عائلية أو عشائرية. والعراق خير مثال لمثل هذه السياسة الهدامة، فقد افتعل صدام حسين الحروب الخارجية وأحكم من خلالها القبضة على الجماهير، ومن تحت غطائها ارتكب جريمة القتل العام ضد الشعب الكردي، كما قضى على المعارضة، وأصبح واحداً من أشرس الدكتاتوريين فى تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

وبما أنه لم يعد سراً فساد السلطة الكردية، متمثلة بقمة القيادة، فنحن نرى ان من المهم فضح سياسات اللجوء الى التهديدات الخارجية بقصد إعادة الجماهير الكردية الى خانة الطاعة، والكف عن المطالبة بالحقوق الديمقراطية وتحسين نمط الحياة العامة في المجتمع.

ويبدو ان اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في كردستان، أوجد حالة من القلق لدى الزعامة الكردية، فهي تعرف مدى فسادها ورفض الجماهير لها، وعلى علم بتنامي السخط الشعبي تجاه رموزها الفاسدة، التي استغلت ثروات البلاد لأغراض عائلية محضة، وخنقها للحياة الديمقراطية والحريات العامة، ومساوماتها على مصلحة الشعب الكردي الإستراتيجية لقاء مكاسب شخصية، وتحويل أجهزة الحكومة الى أجهزة خاضعة لإرادة العائلة الحاكمة ولحمايتها، وتحويل البرلمان الكردي في اربيل الى مؤسسة تابعة تخدم مصالح النخبة المتسلطة، إضافة الى الاستهتار بكل القيم الوطنية وبكرامة الشعب الكردي، كل هذا أوجد حالة من الترقب القلق من أن الانتخابات القادمة ستكون حاسمة وربما ستحين ساعة المسائلة من الشعب الكردي – الذي طال صمته - حول الانتهاكات والجرائم التي قام بها الزعماء خلال الخمسين عاماً الماضية.

من هنا نرى تبني أسلوب جديد، خلق التهديدات الخارجية للتحكم في الداخل. فأطلقوا تصريحات: "المالكي يتصرف كدكتاتور" و "قد "تندلع حرب عربية - كردية". من سخريات القدر أن السيد مسعود "الديمقراطي" يطلق صفة "الدكتاتور" على المالكي، ترى هل يأخذ الشعب الكردي والعربي كشعوب جاهلة متوحشة تصدق أقواله؟! أو إنه يصدق نفسه ولا يقيم أهمية لما تفكر فيه الجماهير مادام متحصناً بآلاف المليشيات في مدينة (صلاح الدين) التي أمست مدينة مغتصبة!!

أحدى ركائز الديمقراطية هو البرلمان الحّر الذي يقف أمام الانزلاق نحو الدكتاتورية، نظرة سريعة لأداء البرلمان الكردي ترينا الحالة التي يرثى لها، فقد ولد مدجناً بفعل تعيين العناصر الحزبية، هي في الحقيقة "جزء من الحاشية" تسبح بحمد ولي نعمتها، ولا تمثل مصالح الجماهير الكردية المهملة والتي تحلم بالماء والكهرباء والخدمات الاجتماعية والصحية منذ 17 عاماً في ظل القيادة الحالية.

جميع القوى والجماعات والمنظمات الحريصة على مستقبل الشعب الكردي وضمان حقه في الحياة الديمقراطية مدعوة الىالعمل على كشف خطط التضليل لقيادة الحزبين الحاكمين خاصة ونحن نقترب من موعد الانتخابات. فعلينا أن لا نحيد نظرنا ونظر الجماهير عن الخطر الداخلي المتمثل بفساد السلطة الكردية ودكتاتوريتها وأنانيتها، وهي عامل مساعد لتمرير المخاطر الخارجية. فقد رأينا في الماضي القريب كيف إنها لاذت بجيوش الاحتلال في صراعاتها الداخلية وكيف تعاونت مع نظام ارتكب جرائم الأنفال وحلبجه وقوش تبه.

الانتخابات القادمة ستكشف مدى وعي الجماهير وقواها الديمقراطية ومدى الاستعداد للتضحية من أجلها، بشرط أن تجري الانتخابات وفق القوانين المعروفة في عملية الانتخابات الديمقراطية وبنزاهة وتجنب إستخدام العنف كالذي حصل في مناطق بادينان في إنتخابات عام 2005 .