مارس 04، 2009

الناقر والمنقور


يحيى جابر

ما يُفرحني، هو انني حين أفيق من النوم أجدني ما زلت على قيد الحياة، وأول انسان أصبّحه هو أنا، كأن أقول صباح الخير يا يحيى!.
... يحدث لي حين أقرأني كما كنت في بدايات الكتابة والنشر، حيث كنت مراهقاً مع الحبر، وحين أبصرت اسمي في الجريدة كشاعر وتجاورني قصيدتي المطبوعة، أذكر يومها اشتريت بما أملك من نقود نسخاً لا بأس بها، ولو توفّر لي مالاً لأشتريت كل الأعداد في السوق، وفي المطبعة وحتى المرتجعات، وكل ذلك بسبب اسمي الناصع اللامع المنوّر المشعشع، ما أحلاني.!..
ويحدث لي أحياناً يا عزيزي القارئ، انني أشبهك، كأن أضحك مما كتبت أو أبكي، أو أرتجف، أو لا أشعر بشيء مطلقاً!.

كأن أجدني، سمجاً، ركيعاً، رديئاً فأمتعض ولا أتابع ما كتبتُ، وأعضّ أصابعي ندماً...
ولأنني صاحب مخيّلة تكاد تشبه حياتي، كأن أصدِّق ما أكتبه، وأحياناً كثيرة أراقب اسمي الموجود ، وأتخيّل حالي داخل صفحات برّاقة، كأن حياة أخرى تجري...
أنا الساكن في صفحة منوعات ملونة، ولي حجرتي، ويجاورني لآلئ، وجواهر، وعارضات أزياء..
أرى امرأة تدلّك وجهي الشاحب الحزين كهندي، بكريمات، وتقلّل الاحمرار من عيوني والأسود تحت حاجبي!.
أرى ساعة مرصّعة تتقدم من ساعدي، وتقول لي: الوقت لك، الحياة لك.

أرى مفروشات فخمة تتقدّم مني، وتدعوني الى الجلوس والاستلقاء ليرتاح اسمي من الوقوف طويلاً...
الحياة مع الورق أجمل، العيش داخل الورق اشهى،... والاستيقاظ على هديل مجوهرات أنعم، والنوم أرقّ في هذه الزاوية من العالم،...
هنا زاويتي كأجمل زنزانة.
هنا زاويتي كشُرفة.
هنا أنا، في الزاوية أتربّص كقطّ، وأنشب مخالبي ضد كل من يحشرني أو يمنعني من متابعة الحياة، من متابعة الكتابة... من متابعة العيش بالحبر أولاً... نقرة.. نقرة !

التالي السابق