أغسطس 08، 2009
تناقضات إيرانية: دعم التغيير في كردستان العراق وكسره في إيران
سامي شورش
تحمل السياسة الدينية في إيران قدراً غير قليل من التناقضات والمفارقات السياسية. في الواقع، لا تقتصر هذه الحالة على إيران وحدها، بل تتعداها الى الأنظمة الشمولية والاستبدادية والآيديولوجية التي تتقوقع على أفكار ومفاهيم محددة، لكنها، في الوقت عينه، لا تتردد عن اللجوء الى ألاعيب متنافرة. الغرابة الوحيدة في المثال الإيراني أن الدينيين المتطرفين في طهران يلعبونها ببراعة فائقة وبكثير من الحنكة والتمويه والغموض.
في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة التي جرت في الثاني عشر من يونيو (حزيران) الماضي، أفلح المحافظون في طهران في إعادة بسط سيطرتهم المطلقة على مؤسستي الحكم والرئاسة من خلال إعادة إنتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية. معروف أن هذا الفوز، المشكوك في آلياته ونتائجه، أدى الى مضاعفة جبروت المحافظين في مواجهة التيارات الإصلاحية ومحاربتها وتفتيت تظاهراتها بالحديد والنار. ففي ما يتعلق بإيران، يستأنس المحافظون بالتشديد على طروحة مفادها أن التغيير الحقيقي، أو الإصلاح الفعلي لا ينهض من وجود معارضة قوية في البرلمان والشارع، أو التطلع الى امتلاك السلطة. إنما يقوم على التمسك بالنظام الديني الراهن ورموزه وتشدّده وفكرته الداعية الى ولاية الفقيه.
المفارقة في هذا أن إيران نفسها، أي التي تغور من أخمص قدميها حتى قمة الرأس في قمع دعاة التغيير والإصلاح والوسطية، تناقض نفسها في هذا الأمر، وتدعم من دون تردد، قائمة سياسية محددة في انتخابات كردستان العراق الأخيرة، تدعو في القول والعلن الى التغيير والإصلاح، لكنها تتمسك، في الواقع، بملمح آيديولوجي متزمت.
صحيح، هناك بون شاسع بين (التغييرين) في ايران وكردستان: بون في الرؤية والسويّة السياسية والتعامل مع الديمقراطية وفهمها. وصحيح أن حركة الإصلاح في إيران تقف على خط متناغم مع تيارات الديمقراطية والإصلاح والاعتدال في العالم والمنطقة، فيما دعاة الإصلاح في كردستان، مترعون بالكره القومي والروح الإنعزالية والتقوقع الآيديولوجي الماركسي. مع هذا كلّه، نرى طهران تتشدد في تعامل قسري ودموي مع إصلاحييها، لكنها تمدّ خطوطاَ للتعاون والتعامل والتنسيق مع إصلاحيي كردستان العراق.
في الواقع، تعرف طهران تفاصيل البون الشاسع بين دعاة الإصلاح والتغيير في إيران وكردستان. وتعرف مقدار الإختلاف بين توجهاتهما ومنظومتيهما الفكريتين. فهي راكمت، منذ ايام الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، في التسعينات من القرن الماضي، خبرة طويلة حول طروحات الإصلاح وأهدافه التغييرية في إيران. أما في كردستان العراق، فإن التاريخ السحيق من العلاقات الإيرانية، السرية والعلنية، مع الأحزاب الكردية بشكل عام واصحاب قائمة التغيير بشكل خاص، يعطى المحافظين الإيرانيين ثقة متناهية في أن التغيير الكردي يلتقي معهم في التعنت السياسي والرؤية الضيقة وأهداف سياسية كثيرة.
الى هذا، تعتقد إيران أن السلطة السياسية (الإقليمية) الحاكمة في كردستان، خصوصاً الحزبين الرئيسين: الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني، تتبع المحور الأميركي الإسرائيلي. فيما أصحاب قائمة التغيير في كردستان يشتهرون بانعزاليتهم وولعهم بالعمل السري وتحفظهم على مفاهيم (الديمقراطية) و(النفوذ الأميركي في العراق) وما يتردد عن وجود (نفوذ إسرائيلي في كردستان). الى هذا، نعرف أن إكتساب دعاة التغيير في كردستان قوة مضافة عن طريق الدعم المقدم لها، يمكن أن يصيب الموقف الكردي العراقي بتشققات ومكامن ضعف.
لكل هذا، لا ترى طهران مناصة في دعم قائمة التغيير الكردية ومحاولة إيجاد قنوات للتفاهم بينها وبين حكومة نوري المالكي في بغداد، لكنها، في الوقت عينه، تلجأ الى القسوة والقمع والتدمير في كل ما يتعلق بدعاة التغيير والإصلاح في داخلها.