أغسطس 09، 2009
الحياة في الشرق الأوسط على نمط العصور الوسطى؟
روبرت فيسك - "الإندبندنت" البريطانية
دعونا نتكلم بحدة رهيبة لماذا العالم العربي متخلف جدا؟ لماذا هذا العدد الكبير من الحكام المستبدين، والقليل جدا من حقوق الانسان، والكثير من امن الدولة والتعذيب والمعدل الكبير في الامية؟
لماذا ينتج هذا المكان البائس، الغني جدا بالنفط، سكانا، حتى في عصر الكمبيوتر ضعيفي التعليم، ناقصي التغذية بشكل كبير وفاسدين جدا؟ نعم، فانا اعرف تاريخ الاستعمار الغربي، والمؤامرات المظلمة للغرب، والحجة العربية بانك لا تستطيع ان تزعزع الشيوخ والملوك والمستبدين والائمة والأمراء عندما يكون «العدو على الابواب» هناك بعض الحقيقة في ذلك لكنها ليست حقيقة كاملة، ومرة اخرى يطلق البرنامج الانمائي للامم المتحدة تقريره، وهو الخامس عبر محللين واكاديميين عرب، والذي يفهرس حالة التخلف في الكثير من الشرق الاوسط.
فهو يتحدث عن «هشاشة الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وضعفها تجاه التدخل الخارجي، ولكن هل هذا لحساب مكافحة التصحر، والامية، وخصوصا بين النساء، وتحولت الدولة العربية كما يقول التقرير، الى تهديد للامن البشري بدلا من دعمه؟
وكما ذكر الصحافي العربي رامي خوري بوضوح في الاسبوع الماضي «كيف نعالج الاسباب الكافية وراء جهودنا المتوسطة واحداث تغيير حقيقي مرتكزا في مواطنة صلبة، واقتصادات منتجة ودولة مستقرة، ويبقى اللغز الذي تحدى ثلاثة اجيال من العرب فنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، وهي واحدة من الاحصاءات التي صدمت خوري بحق، زاد فقط بنسبة 6.4 في المئة ما بين عام 1980، 2004 اي بنسبة 0.5 في المئة فقط سنويا، وهي نسبة 198 بلدا من بين 217 شملها تحليل وكالة الاستخبارات المركزية «CIA» حول تحسين العالم في عام 2008، ومع ذلك فان السكان العرب الذين كان يبلغ عددهم 150 مليونا في عام 1980، سيبلغ عددهم 400 مليون نسمة في عام 2015.
الاحظ الكثير من هذا بنفسي فعندما اتيت الى الشرق الاوسط لاول مرة في عام 1976 كان مزدحما بما فيه الكفاية، فشوارع القاهرة كانت شديدة الازدحام ومكتظة ليلا ونهارا، مع ما يصل الى مليون مشرد يعيشون في المقابر العثمانية الكبيرة، بيوت العرب نظيفة جديدة لكن شوارعهم غالبا ما تكون قذرة، ومثيرة للاشمئزاز مع وجود الكثير من الاوساخ على الارصفة، حتى في لبنان الجميل حيث يوجد نوع من الديمقراطية وأناسها الذين هم من بين أكثر الناس ثقافة في الشرق الاوسط، تجد نفس الظاهرة، حتى في قرى التلال الوعرة في الجنوب توجد نفس النظافة في كل بيت، ولكن لماذا الشوارع والتلال قذرة جدا؟
اظن ان هناك مشكلة حقيقية في ذهن العرب، وهي انهم لا يشعرون بانهم يمتلكون بلدانهم، فعلى الرغم من حماستهم المتدفقة نحو الوحدة العربية او الوطنية، الا انني اعتقد انهم لا يشعرون بالانتماء الذي يشعر به الغربيون.
ولم يتمكنوا في الغالب من انتخاب ممثليهم الحقيقيين، حتى في لبنان خارج السياق القبلي او الطائفي، فهم يشعرون بانهم «محكومون»، فالشارع والبلد ككيان مادي ينتمي لشخص اخر، وبالطبع حالما تأتي لحظة التحرك وتصبح حركة شعبية تفرض قوانين الطوارئ لجعل هذه التحركات غير مشروعة او «ارهابية» وهكذا فانها دائما مسؤولية شخص اخر لرعاية الحدائق والتلال والشوارع.
واولئك الذين يعملون ضمن نظام الدولة، الذين يعملون بشكل مباشر من اجل الدولة واحكامها السيادية الفاسدة، يشعرون ايضا أن وجودهم يعتمد على نفس الفساد الذي تنمو عليه الدولة، لقد اصبح الناس جزءا من الفساد.
وسأتذكر دائما أن مالك ارض عربيا، قبل سنوات عديدة، اعرب عن اسفه لعدم قيام حكومته بمكافحة الفساد، لقد كنت ادفع الرشوة في الايام الخوالي واصلحنا الهاتف وانابيب المياه واستعدنا الكهرباء، لكن ماذا يمكن ان أفعل الان ياروبرت؟ لا استطيع رشوة احد، لانه لن يتم فعل شيء.
حتى عندما كان اول تقرير لبرنامج الامم المتحدة الانمائي محزنا جدا في عام 2002 الا انه حدد ثلاث عقبات اساسية للتنمية البشرية في العالم العربي: اتساع «العجز» في الحرية، حقوق المرأة والمعرفة حتى جورج بوش، الذي ينادي بالحرية والديمقراطية وغيرها من الاشياء وعمد الى ذبح العراق، لفت الانتباه الى هذا الامر، حتى الرئيس المصري حسني مبارك «الذي يستمر بالرئاسة بنسبة نجاح انتخابي بلغ اكثر من 90 في المئة» اخبر توني بلير في عام 2004 ان التحديث قد ينجم عن «تقاليد وثقافة المنطقة».
هل سيكون حل مسألة الحرب العربية الاسرائيلية حلا «لكل هذا»؟ ربما حل لبعض ذلك فمن دون تحد في أزمة مستمرة فإنه سيكون من الصعب التجديد المستمر لقوانين الطوارئ، وتجنب الدستورية وتشتيت السكان الذين من الممكن ان يطالبوا بتغيير سياسي ساحق، الا انني اخشى في بعض الاحيان ان المشكلات قد تعمقت وتأصلت كثيرا، وذلك مثل استمرار تسرب مياه المجاري، حيث اصبحت الارض التي تحت اقدام العرب مشبعة جدا بالماء للبناء عليها.
لقد شعرت بالسعادة مثل بضعة اشهر، اثناء حديثي في جماعة القاهرة، نعم في نفس الاكاديمية التي لعب بها بارك اوباما الكرة اللينة «softball» مع العالم الاسلامي، ليكتشف كم هم اذكياء طلابه، وكم عدد الطالبات في الفصول وكم هم، مقارنة بالزيارات السابقة، مثقفون لا يزال هناك الكثير يريد السفر الى الغرب قد يكون القرآن الكريم لا يقدر بثمن، لكن البطاقة الخضراء ثمينة ايضا.
ومن يستطيع ان يلقي باللوم عليهم عندما تمتلئ القاهرة بخريجي الدكتواره في الهندسة وليس امامهم سوى ان يعملوا سائقي تاكسي؟
وبالمقابل، نعم للسلام الجاد بين الاسرائيليين والفلسطينيين الذي من شأنه ان يساعد على تصحيح الاختلالات المرعبة التي تصيب المجتمع العربي، فاذا لم تعد قادرا على الشكوى بمرارة من الظلم الفاحش الذي تجلبه هذه الحرب، فلربما ان هناك مظالم اخرى ينبغي معالجتها، واحد تلك الظالم هو العنف المنزلي الذي هو الان اكثر انتشارا في العالم العربي من الغربي.
لكن اعتقد ايضا، باننا يجب ان نتخلى عن الشرق الاوسط عسكريا، ونرسل، وبجميع الوسائل للعرب مدرسينا واقتصاديينا ومهندسينا الزراعيين ونعيد جنودنا الى اوطاننا، فهم لا يدافعون عنا بل ينشرون نفس الفوضى التي تولد الظلم الذي تغذيه «القاعدة» في هذا العالم كلا فالعرب، او حتى خارج العالم العربي كايران وافغانستان، لن ينتجوا الايكولوجية المحبة، والمساواة بين الجنسين والديمقراطية التي نرغب برؤيتها، لكن اطلاق سراحهم من وصايتنا قد يساعد في تطور مجتمعاتهم لصالح الناس الذين يعيشون فيها، وربما سيحين الوقت للعرب كي يدركوا بانهم امتلكوا بلدانهم.