أبريل 05، 2009
فرص ازدهار الإسلام السياسي في كردستان
يتمتع اقليم كردستان بتطور اقتصادي متنام فضلا عن استقرار امني وسياسي نسبي، وبالرغم من ان الهيمنة السياسية في الاقليم تكاد محسومة لصالح الحزبين الكرديين الرئيسين ( الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود البارزاني والاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني ) الا ان هذه الهيمنة باتت تواجه تحديات من جانب حركات الاسلام السياسي في الاقليم وفي مقدمة هذه الحركات ثلاث حركات تعمل بالساحة بشكل علني وهي : الحركة الاسلامية في كردستان ، والمجموعة الاسلامية في كردستان ، والاتحاد الاسلامي الكردستاني. ومع ان هذه الحركات اخفقت في اثبات فاعليتها سواء في الانتخابات الاقليمية الكردية السابقة اوفي الانتخابات الوطنية العراقية للبرلمان في سنة 2005 . الا ان المراقبين في كردستان يجدون في هذه الحركات انها باتت تشكل تحديا لاستقرار المعادلة السياسية القائمة في الاقليم ، سيما في ظل تنامي الفساد المؤسساتي في عمل الحكومة الاقليمية والذي يتقاسم السلطة فيها بشكل اساسي كوادر الحزبين الرئيسيين .
وقد تصاعدت حركات الاسلام السياسي في كردستان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بدعم ورعاية ايرانية ، وذلك اثناء الحرب بين العراق وايران ، وقد انتشرت حركات الاسلام السياسي في مناطق كردستان الحدودية مع ايران ولاسيما حلبجة التي تمثل الان معقل الاسلام السياسي في كردستان . واثناء نزاع ، الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني بين سنتي 1994 – 1998 ، فان مقاتلين من الحركة الاسلامية في كردستان اجبروا على الانسحاب الى الاراضي الايرانية نتيجة لسلسلة من الانعكاسات العسكرية ، وقد توسطت طهران لصفقة وقف اطلاق النار بين الحركة الاسلامية في كردستان والاتحاد الوطني الكردستاني في سنة 1997 . ووافقت الحركة الاسلامية في المشاركة في مؤسسات الحكومة الاقليمية الكردية في سنة 1998 وتجردت من السلاح في سنة 2003 ولكنها تمتعت بشكل ما بعلاقات مزدوجة مع الحزبين الحاكمين .
نشوء حركات الاسلام السياسي
وفي فترة التسعينيات من القرن الماضي كان النفوذ الايراني في كردستان العراقية متصاعدا ، ويعلق البروفسور ديفيد رومانو من كلية رودس في ممفيس (( ان النفوذ الايراني امتد الى كلا من الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني والحركة الاسلامية في كردستان . وفي وقت ما كان هذا الدعم معنوي ودبلوماسي ، " وفي بعض الاوقات كان مباشرا تماما ودعما ماديا على الحدود ، ومن ضمنه الملجأ )) . ويؤكد البروفسور رومانو : (( بالنسبة للايرانيين استخدموا أدوات النفوذ والدعم بالطبع ليس على درجة متساوية مع جميع الاطراف الكردستانية ، وانما استخدم بالية تعزز النفوذ الايراني في المنطقة ولكن بدرجة تخدم عملية توظيف هذا الطرف او ذاك لتحقيق مصالح ايران اكثر فاكثر ، وبالتالي كانت علاقة ايران مع حركات الاسلام السياسي تدخل في هذا الاطار وتستخدم كسلاح يستطيعون التلويح به في بعض الاوقات بموازاة جزرة العلاقات الافضل مع ايران حينما يريدون ممارسة النفوذ على الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني).
تصاعد النفوذ الايراني ودخول الاطراف الدولية على خطه
ويبدو ان مسألتين اساسيتين حكمت الية ممارسة النفوذ من جانب ايران باتجاه الاطراف الكردية العراقية ، الاولى امكانية القيام بالعمليات بالنسبة للمجموعات المتمردة من الاكراد الايرانيين وبالتالي دور هذا الطرف الكردي العراقي او ذاك في مسألة المواجهة الايرانية للمجاميع الكردية الايرانية المتمردة من ناحية . والمسألة هي ادارة اللعبة بموازنة هشة من جانب ايران كي تفرض حاجة جميع الاطراف الكردستانية العراقية لها حتى وان استدعى الامر ان يتواجه كل لاعب وجها لوجه مع الاخر ولكن دائما ب (( مايسترو )) يضبط حالة المواجهة ؛ وهو هنا مصدر النفوذ لجميع الاطراف اي ( ايران).
وبالمقابل قامت الولايات المتحدة والعربية السعودية بشكل متكرربالتحرك للتعامل مع النفوذ الايراني من خلال تقديم التمويل المضاد الى المجموعة الاسلامية في كردستان ، ولاسيما الولايات المتحدة منذ سنة 1998 . هذا بالرغم من العلاقات المتحجرة في بعض الاوقات والتي تضمنت اعتقال القائد الملا علي عبدالعزيز حلبجي من قبل قوات تقودها الولايات المتحدة في سنة 2003 . وتسعى تركيا ايضا الى بناء نفوذها في المنطقة في السنوات الاخيرة في الوقت الذي تحمي صلاتها الاقتصادية مع ايران . وقال الدكتور روبرت اولسن من جامعة كنتوكي: احد الاشياء الرئيسية التي تعمل عليها تركيا وايران بشكل مشترك ، هي الرغبة في السيطرة وتدبر الحركة الوطنية الكردية ، وفي ذلك تضمين مختلف الحركات : الحركة الاسلامية وال ب ك ك ( حزب العمال الكردي التركي ) والبيجاك ( حزب الحياة الحرة لكردستان ) .
ويبدو ان التعاون العسكري التركي – الاميركي ، والتركي – الايراني ضد مسلحي ال ب ك ك والبيجاك في اقصى الشمال يهدد نمط الفراغ الامني الذي كان المسلمون الراديكاليون يتمتعون به في الماضي – بالرغم من ان اية مجموعة لم تظهر على حافة الانهيار .
انشقاقات حركات الاسلام السياسي
وعلى الارجح ان تعدد الاطراف الاقليمية والدولية في صراعها لكسب النفوذ في المنطقة وبالتالي توظيف هذه الجهة او تلك من حركات الاسلام السياسي في كردستان قد اسهم في احداث عدة انشقاقات واعادة تكوين في حركات الاسلام السياسي في كردستان، وهذا يعكس اتجاهات واسعة ضمن الخلط في الحركة الاسلامية ـ مدفوعا بالاختلاف في الالتزامات الدينية والتوجه نحو الصراع المسلح والحكومة الاقليمية الكردية والضعف النسبي للاسلام السياسي في مواجهة هيمنة الديمقراطي والاتحاد الوطني. وقد انفصلت المجموعة الاسلامية في كردستان عن الحركة الاسلامية تحت القيادة الروحية والزمنية ل ( علي بابير ) في سنة 2001 وقاعدته في خورمال . وقد اعتقل بابير من قبل القوات الاميركية في سنة 2003 وسجن لمدة سنتين . وقد حصلت المجموعة المنشقة بشكل متكرر على مساعدات مهمة من الاتحاد الوطني الكردستاني واتخذت خطا معتدلا في التعامل مع الاخرين من المجموعات الاسلامية بالرغم من الاحتفاظ بالخط الاصولي . وبمعية الحركة الاسلامية في كردستان فان المجموعة الاسلامية في كردستان ، تحاشت الصلات المزعومة بالمجموعة الكبرى للجهاد والناشطة مؤخرا في المناطق الكردية وهي انصار الاسلام .
ويشرح البروفسور (رومانو) العلاقات الهشة القائمة بين الحركة الاسلامية الكردية والمجموعة الاسلامية من جهة والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة اخرى ، والتي تراجعت عن الاندماج او التعاون : " وقد اتجهت الحركة الاسلامية الكردية بدعوتها للمشاركة في الحكومة الاقليمية الكردية ولكنها كثيرة الصلات للمجموعات الاسلامية العنيفة . وقال الدكتور رومانو :" قنوات الاتصال كانت مفتوحة بشكل واضح دوما بين الحركة الاسلامية في كردستان والمجموعات المنشقة عنها ولم يكن من الواضح كم كانت الحركة معتدلة وحتى مع المجموعة الاسلامية ، ولذلك فما فعله الاتحاد الوطني بشكل عام تركهم يكونون لانفسهم مكاتب صغيرة ولكن فقط للامور الشرعية وهذا يجعل من السهل على الاتحاد الوطني مراقبتهم ".
فشل الحركة الاسلامية في كردستان لاقامة حكم الشريعة في مناطق نفوذها حول حلبجة بين سنتي 1998 – 2000 ، افضى بشكل متكرر الى انشقاقات المجموعات الراديكالية ومنها التوحيد وحماس، والتي تحمل الاسم نفسه للحركات الفلسطينية بدون ان تكون لها علاقات معها. والتوحيد التي ظهرت في اربيل اتحدت مع حماس والفرع الراديكالي من الحركة الاسلامية في كردستان وهو القوة السورانية الثانية في جند الاسلام ، واعلنت الجهاد في سنة 2001 ضد الحركات العلمانية الكردية . وبعد العديد من المفارقات العسكرية على ايدي جنود الاتحاد الوطني، عادت الحركة لتظهر في شهر كانون الاول باسم انصار الاسلام تحت قيادة الزخم المعنوي في تلك السنة من قبل المجندين العرب في افغانستان ، وسيطرت المجموعة على عدة قرى قرب الحدود الايرانية كانت تخضع للحركة الاسلامية في كردستان ومجموعة المقاتلين الاسلاميين قبل ان توافق على وقف اطلاق النار مع مجموعة بابير . وقد طرد انصار الاسلام من معاقلهم الجبلية الحصينة في شهر اذار 2003 وظهرت وقد تقلصت قوتها في سنوات التدخل بخلاف بعض المحللين الذين يثبتون الاندماج اللاحق للعديد من العناصر في انصار الاسلام . والمجموعة الاخيرة زعم انها اندمج فيها عرب وعناصر اجنبية اخرى ، وكانت فعالة بشكل متكرر في القتال ضد القوات الاميركية في وسط وشمال العراق . ولاحظ ( رومانو ) بان هناك افتقادا للادلة المباشرة تظهر تعاون انصار الاسلام مع الحركة الاسلامية والمجموعة الاسلامية ، ولكن ( حينما يكون لدينا تحرك لرجال انصار الاسلام عبر اراضي المجموعة الاسلامية بشكل غير مزعج ، وبشكل واضح بموافقة ، عندها يمكن القول بان هناك بعض التعاون) . (( ولكن عند ذلك ، وبعد مرور شهر ، تجد بعض اشخاص المجموعة الاسلامية تقتل اشخاص من انصار الاسلام ... واعتقد ان هنامك تشمع وتضاءل لعلاقاتهم )) كما يقول البرفسور رومانو .
بروز الاعتدال في الاسلام السياسي
الاتحاد الاسلامي الكردستاني هي الحركة الاكثر اعتدالا بين اوساط حركات الاسلام السياسي الكردستاني ، وهي الفرع الكردي لحركة اخوان المسلمين ( العربية ) ، وقد تأسس الحزب في عام 1994 والحزب الذي يتخذ من اربيل قاعدة له تمتع بتمويل مزعوم من الخليج ويشاع عنه انه على صلات مستمرة مع الاخوان المسلمين في العراق . ومنذ تأسيسه ، فقد طورمؤسسية مهمة من ضمنها البر والاحسان والتعامل الاعلامي .
ويكاد الحزب الاكثر اندماجا في الحكومة الاقليمية الكردية ، وشارك في القائمة الكردية المتحالفة في انتخابات كانون الثاني 2005 في البرلمان العراقي . وكان الحزب قد حصل على 9 مقاعد في برلمان كردستان ذي الـ 111 مقعداً وأكد دعوته الى محاربة الفساد وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية- وحصل على مقعدين في مجلس وزراء الإقليم .
وقد قرر الاتحاد الاسلامي الكردستاني ان يخوض انتخابات البرلمان العراقي بمعزل عن القائمة التحالفية الكردية في كانون الاول سنة 2005 ، وحصل الحزب أيضا 5 مقاعد في البرلمان العراقي واستفز واغضب المسؤولين واحدث الشغب في دهوك وحيث قتل اربعة من اعضاءه في عاصفة جماهيرية في مكاتب الحزب.
ويبدو للكثير من المراقبين انه على الرغم من ان الاجراءات المعتمدة في كردستان ومن ضمنها الاشراف على المدارس الدينية والمراقبة الامنية للائمة والجوامع بعد نهاية الصلاة، فإن متراس الاسلام السياسي يمكن ان يجد البيئة الملائمة لكي يترعرع . فالمراقبون يشيرون الى ان نمط الفساد المستوطن المنتظم و المشهود في الحكومة الاقليمية الكردية ، بموازاة تأثير برعم التضخم على الفقراء يوفر فرص الازدهار للاسلام السياسي في المنطقة .
ويقول رومانو ( انهم ( الديمقراطي والاتحاد ) مدركون لهذا الفساد وبانهم يعرفون بان عليهم ان يتخلصوا منه). ويضيف : (ولكن اذا كانوا بطيئين جدا حول الاصلاحات واذا كانت هناك مشاعر شعبية كثيرة بانه مالم تكن مرتبطا مع احد الحزبين فانك عندها ذو مستقبل محدود وتوقعات محدودة . وعندها ، فان الناس سينقلبون بشكل متزايد للتوجه الى الاتحاد الاسلامي الكردستاني).
ويرد على ذلك الدكتور (سالار بصيرة) أستاذ العلوم السياسية في جامعة السليمانية، بالقول : إن المبادئ العلمانية للحزبين الرئيسين في كردستان (البارتي) و (الاتحاد) لها شعبية في أوساط الكرد العراقيين، والذين يترددون في دعم الأحزاب ذات المبادئ الإسلامية. وقال ان حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني يمكن أن يحصل على المزيد من الدعم اذا ما أجرى المزيد من التحولات العلمانية. وأضاف: ( ان الناس ربما غير راغبين في الانتماء الى حزب اسلامي لكنهم سيصوتون له كثيراً إذا ما تحول الى الانفتاح أكثر فأكثر). ويعترف الى حد ما (ياسين رسول) القيادي في ( الاتحاد الاسلامي ) ؛ ويقول إن اسم ( الإسلامي ) ليس له جاذبية عالمياً. ويضيف: (لهذا قلنا نستطيع تغيير الاسم ويستمر الحزب بالعمل تماماً مثل حزب العدالة والتقدم في تركيا). وطبقاً لـ (رسول) فإن الفكرة رفضت لأن الأصوليين أقوياء في الحزب، وقال: (إن الجمهور الكردي قد لا يفهم هذه النقطة بالذات ونخسر بذلك مؤازرينا الحاليين). وكان حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني قد اقدم في ايار الماضي بـ ( الانقلاب ) على تشكيله الداخلي وهيكلته بهدف إجراء إصلاحات ديمقراطية تؤهله لاجتذاب المزيد من الأنصار، كسر الاتحاد الاسلامي الكردستاني التقليد في السياسة الكردستانية، بتخفيض قوة (سلطة زعيم الحزب)، انتخب الاتحاد الاسلامي الكردستاني في مؤتمره الانتخابي اوائل ايار الماضي 13 عنصراً جديداً في لجنة قيادته المكونة من 35 عضواً، وقرر الحزب (عدم مركزة ) السلطة، بنزع الكثير من سلطات زعيم الحزب ومنحها لقياديين أدنى منه في المسؤولية وانتخاب أعضاء جدد لمواقع كبيرة. وقد أجرى الحزب هذه التغييرات في محاولة لتحديث توجهات الحزب وعصرنتها، لاجتذاب المزيد من أصوات التأييد في أوساط المواطنين الكرد المحبطين بهيمنة الحزبين الكرديين الكبيرين في كردستان العراق .