أبريل 16، 2009
ناشط كردي: القادة الكرد يحمون المجرمين وشكوى ضد وفيق السامرائي
أحيا أكراد العراق داخل البلاد وخارجها في الرابع عشر من نيسان/ أبريل الذكرى السنوية لجريمة الأنفال، وهي سلسلة العمليات العسكرية التي شنها الجيش العراقي الحكومي عام 1988 في إقليم كردستان، وأسفرت عن تدمير أكثر من أربعة آلاف قرية، ومقتل ما لا يقل عن مئة ألف مدني كردي.
وقد نظرت المحكمة العراقية الخاصة بجرائم العهد السابق في قضية الأنفال، وأصدرت ثلاثة أحكام بالإعدام وحكمين بالسجن مدى الحياة على خمسة من المتهمين الرئيسيين، في مقدمتهم علي حسن المجيد، ابن عم صدام حسين، ووزير دفاعه السابق. ويـُعرف المجيد أيضاً باسم "علي كيمياوي" بسبب مسؤوليته عن استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد السكان الأكراد.
تـُعد منظمة "تشاك" إحدى أنشط المنظمات الأهلية الكردية المتخصصة بمتابعة ملفات الجرائم التي ارتكبت ضد أكراد العراق، والمطالبة بحقوق ضحاياها وبملاحقة المسؤولين عنها. و"تشاك" هو مختصر لاسم المنظمة "مركز حلبجة لمناهضة الأنفلة والإبادة للشعب الكردي".
في حديث لإذاعة هولندا العالمية أوضح أحد مؤسسي المركز، علي محمود محمد، أنهم قرروا مؤخراً تغيير اسم المركز إلى "مركز كوردوسايد"، وهو تحوير لكلمة "جينوسايد" التي تعني الإبادة. وعن تاريخ المنظمة، يقول السيد محمد إنه وناشطين آخرين أسسوا منظمة باسم الأنفال، في إقليم كردستان عام 1992، وكانت تهدف إلى إحياء ذكرى الجريمة وتخليد الضحايا. لكن معظم الناشطين في تلك المنظمة غادروا الإقليم إلى أوربا، بسبب الحرب الداخلية التي شهدها الإقليم بين الحزبين الكبيرين فيه، والتي بلغت ذروتها في آب/ أغسطس 1996، حين استنجد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود برزاني، بالقوات العراقية الحكومية، لطرد عناصر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، من مناطق نفوذه.
في أوربا استعاد هؤلاء الناشطون تواصلهم، وتعرفوا إلى ناشطين كانوا يقيمون أصلاً في أوربا، وفي عام 2002 أسسوا "مركز حلبجة لمناهضة الأنفلة والإبادة للشعب الكردي" المعروف اختصاراً باسم "تشاك". وللمركز الذي تأسس في هولندا حالياً مكاتب في مختلف دول العالم.
الفرسان- الجحوش
تعتبر منظمة تشاك من أنشط المنظمات الكردية التي ما فتئت تطالب بكشف الحقائق التي تخص جرائم الأنفال التي راح ضحيتها 182 ألف مدني، حسب الإحصاءات الكردية الرسمية، في حين تؤكد منظمة هيومان رايتس ووتش (مراقبة حقوق الإنسان) أن العدد لا يقل عن مئة ألف. قدمت المنظمة الكثير من الشكاوى إلى المحكمة الجنائية العراقية، وإلى جهات أخرى عراقية ودولية، بسبب ما تراه تقصيراً في ملاحقة المسؤولين عن الجرائم، وما تعتبره حماية للمتهمين من قبل جهات سياسية عراقية، الكردية منها على الخصوص. يقول الناشط في المنظمة علي محمود محمد إن "العدد القليل للمدانين لا يتناسب مع حجم الجريمة التي ما كان بالإمكان تنفيذها إلا بجهود عشرات، وربما مئات من القادة السياسيين والعسكريين. كما إن تلك الجرائم لم تكن لتنجح لولا تعاون عدد من الزعماء الأكراد المحليين، الذين كانوا يحملون لقب "مستشار"، لدى حكومة بغداد آنذاك، ويقودون ما كان يعرف بالفرسان، أو الأفواج الخفيفة." وهذه الأفواج هي ميليشات كردية شكلها النظام السابق، كقوة محلية لدعم عملياته العسكرية في الإقليم، ويطلق السكان الأكراد على "الفرسان" تسمية "الجحوش".
حتى الآن لم يحاكم أي زعيم محلي كردي بتهمة المشاركة في تلك العمليات. وقد أصدرت الأحزاب الكردية التي تولت السلطة في الإقليم منذ عام 1991 عفواً عن هؤلاء "الفرسان"، وحصل بعضهم على مناصب وامتيازات في العهد الجديد. كما إن عدداً من القادة العراقيين الكبار الذين شاركوا بدور قيادي في عمليات الأنفال لم يتعرضوا للملاحقة والمحاكمة، بسبب انشقاقهم عن نظام صدام حسين في سنوات التسعينات وانضمامهم إلى المعارضة العراقية آنذاك، التي تقود الحكم في العراق حالياً. من بين هؤلاء مثلاً، الجنرال وفيق السامرائي، الذي رئيساً للاستخبارات العسكرية أثناء تنفيذ عمليات الأنفال. وأثناء جلسات المحكمة قال المتهم حسين رشيد التكريتي، الذي أدين لاحقاً وحـُكم عليه بالإعدام، إن السامرائي هو الذي اقترح استخدام السلاح الكيمياوي في حلبجة. وقد طلبت المحكمة بناء على ذلك إحضار السامرائي لسماع أقواله. لكن وفيق السامرائي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية العراقي، السياسي الكردي المخضرم، جلال طالباني، وتم إغلاق ملف السامرائي بعد ذلك دون أي محاكمة، لكن اضطر للتخلي عن منصبه وغادر العراق.
أثناء جلسات المحكمة، قدم الناشط علي محمود محمد، باسم مركز "تشاك" شكوى للمحكمة الجنائية العليا في العراق، ضد وفيق السامرائي، يقول عن ذلك "كنا المنظمة الكردية الوحيدة التي تجرأت على هذه الخطوة، فالسامرائي كان يحظى بحماية الرئيس العراقي، والزعيم الكردي، جلال طالباني. ومع أن الجهات الرسمية وقفت ضدنا، لكن حين ذهبت إلى مكتب المحكمة في أربيل، كان جميع من ألتقيه متعاوناً ومتحمساً، حتى إن سائق التاكسي الذي أوصلني إلى المقر رفض أن يأخذ أجرة مني، وهذا ما فعله أيضاً الكاتب الذي يدون العرائض."
المصالحة وإنصاف الضحايا
لا يعترض الناشط علي محمود محمد على مساعي الساسة الأكراد لحقن الدماء وبدء صفحة جديدة في تاريخ الشعب الكردي، وفتح باب المصالحة أمام الجميع، لكنه يطالب في الوقت نفسه بإنصاف الضحايا قبل العفو عن المجرمين. ويقول "في جميع البلدان التي تعرضت لأحداث مشابهة، حصلت محاكمات للمتورطين الكبار، وتم إنصاف الضحايا بتعويضهم، وبإعلان الحقائق عن مصير المغيبين من أبنائهم. لكن في كردستان لم يحاكم شخص واحد من الأكراد الذين شاركوا بفعالية في الجرائم. بل على العكس من ذلك نجد الكثير منهم يتمتعون بامتيازات مادية ومعنوية توفرها لهم الحكومة الكردية في الإقليم." وعلى سبيل المثال يذكر محمود محمد بألم، إنه "اثناء احتفالات السنة الماضية لإحياء ذكرى الأنفال، استقبل رئيس الإقليم مسعود برزاني عدداً من الشخصيات المعروفة بمشاركتها في الجرائم، في حين لم يقم باستقبال أي من عوائل الضحايا."
جرائم راهنة
لا يقتصر عمل مركز تشاك على متابعة ملف جرائم النظام السابق في كردستان، وإن كان هذا الملف يحظى باهتمامها الأكبر. فقد نظم ناشطو المركز فعاليات كثيرة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في الإقليم بعد خروجه من السلطة المركزية لبغداد عام 1991، وحتى اليوم. يقول محمد "هناك المئات من الذين اعتقلوا في التسعينات أثناء الصراع بين الحزبين الكرديين، ولم يعرف مصيرهم حتى الآن. وهو أمر يشبه في جوهره جريمة الأنفال، ولا يختلف عنها إلا في الحجم. وحتى بعد عقد سلام بين الحزبين، فالاعتقالات استمرت، خاصة في صفوف الناشطين الإسلاميين والمستقلين. ومركزنا من المنظمات الأنشط في الدفاع عن هؤلاء، والمطالبة بالكشف عن مصيرهم."