مارس 27، 2009

تبدل الصورة الكردية


لقد نجح سعي المعادين للطموحات الكردية في تبشيع منظرهم وتنفير الناس من أمرهم. غير أن سعياً كهذا ما كان له أن ينجح، ولو بمقدار ضئيل، لولا بعض الممارسات التي قامت بها الأحزاب الكردية. لقد تصرفت الأحزاب الكردية، في الكثير من الأحيان، بعقلية الفاتح الذي يغزو لابعقلية المظلوم الذي يتحرر. واتسم السلوك السياسي لبعض الزعماء الأكراد بالصلف والتحدي في الكثير من الحالات. ورغم أن المكاسب التي حصل عليها الأكراد كانت حقوقاُ طبيعية بذلوا من أجلها الدماء فإن الطريقة التي سلكتها الأحزاب الكردية لنيل هذه الحقوق اتسمت بالغرور والاستعلاء. وكثيراً ما بدا وكأن الأكراد يعتدون على حرية الآخرين في اللحظة التي يستعيدون فيها حريتهم. كما أن الديبلواسية الكردية عانت في مرات كثيرة من فقدان الكياسة والتروي. لم تكن ثمة مراعاة للظروف الخاصة التي يمر بها العراقيون بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم القومية والمذهبية. وسلك الساسة الكرد إزاء القوميات التي تعيش في كردستان، من التركمان والآشوريين والسريان والأرمن وغيرهم، سلوكا إقصائياً يشبه سلوك الحكومات المركزية السابقة إزاء الأكراد. وفي حين غدا جلال الطالباني، الكردي، رئيساً للعراق الجديد، وأصبح هوشيار زيباري وزيراً للخارجية فإن مسعود البارزاني وزع السلطة في إقليم كردستان على الأكراد من أفراد عائلته وحزبه ولم يفكر قط أن يمنح الآشوريين أو التركمان مناصب رفيعة في حكومة الإقليم.
واشتط الزعماء الكرد في تعاملهم مع العراقيين من غير الأكراد. وظهر ذلك جلياً، مثلاُ، عندما قرر مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، إنزال العلم العراقي من فوق المباني الحكومية التابعة للإقليم،أو للحكومة المركزية المتواجدة هناك، معللاً ذلك بالقول أن "العلم الحالي ارتكبت في ظله المجازر وعمليات القتل الجماعي بحق الكرد، لذلك من المستحيل رفع العلم في كردستان، لأنه يعبر عن فترة من أشد الفترات سوادا في تاريخ العراق". وقد بدا الأكراد في ذلك في مظهر فئة لاتنتمي إلى العراق. فالعلم العراقي الذي أجمع العراقيون على رفعه كان النظام البعثي ارتكب في ظله المجازر بكل العراقيين وليس بالأكراد وحدهم.
وكادت مدينة كركوك أن تتسبب في صراع دموي رهيب بين مكوناتها من الكرد والتركمان والعرب نتيجة للمواقف المتصلبة للأطراف جميعاً حيث سادت الشكوك وسوء الظن والضغينة. ولم يحاول الساسة الكرد التخفيف من الاحتقان والسعي إلى خلق مناخ سلمي هادئ بل إن موافقهم كثيراً ما اتسمت بالاستفزاز وذلك على أساس أن كركوك كانت تتبع إقليم كردستان قبل أن يسلخها عنه النظام البعثي ويعمد إلى تهجير سكانها الأصليين من الكرد ويمارس سياسة تعريبية واسعة النطاق. وبدلاً من الركون إلى الحوار مع الأطراف الأخرى وتبديد مخاوفها وزرع الثقة في نفوسها والإصغاء لمطالبها فإن الأحزاب الكردية سدت آذانها ومضت تعلن أن كركوك مدينة كردستانية دون أي اعتبار لرغبات الأطراف الأخرى.