سبتمبر 28، 2009

مقاولو أمن سابقون: الشركة اشترت أسلحة من السوق السوداء في العراق.. وقايضت الجيش خمراً وسيكاراً كوبياً بالصواريخ


كثر الحديث عن ضياع مليارات الدولارات الأميركية في العراق. وانتهت قضية الدعوى القضائية التي تتهم شركة (تربل كانوبي) للأمن الخاص بالمتاجرة السرية مع المتمردين في العراق، مثلما حفظت تحقيقات اتهام شركة بلاكووتر سيئة الصيت والتي غيّرت اسمها إلى Xe لتعمل مجدداً في العراق بتهريب السلاح. ثمة أدلة تكشفها (النور) من خلال معلومات تقرير دولي عن هذه القضايا. ويعترف مقاولو أمن سابقون في الولايات المتحدة أن شركة (تربل كانوبي) قايضت الجيش خمراً وسيكاراً بالصواريخ، فيما يعترف موظفو الشركة أنهم اشتروا البنادق الهجومية من السوق السوداء بعد منعهم من استيرادها. وتكشف تفاصيل التقارير أن الشركة تعاملت مع رجل أعمال عراقي مزكى من قبل مسؤولين في (البنتاغون) وزارة الدفاع الأميركية، وسط تأكيد مسؤولين سابقين في سلطة الاحتلال المؤقتة التي حكمت العراق لنحو السنة أن هذا التاجر لابد أن يكون ضابطاً سابقاً في جيش نظام صدام أو (مقرباً) منه. وإذ تجهل الولايات المتحدة حتى الآن (أين ضاعت مليارات الدولارات) التي صبّتها في العراق -كما تزعم- تتكرر التجربة في أفغانستان، حيث تشهد أرضها انصباب مليارات جديدة من الدولارات، برغم تأكيد التقرير أن الحال فيها أسوأ بكثير مما كانت عليه في الأيام الأولى لاحتلال العراق. ما الذي يدفع الولايات المتحدة الى (نزف المزيد من أموال دافعي الضرائب)؟. وأين تذهب تلك الأموال؟. وهل يقع الكثير منها في أيدي المتمردين؟. هذا ما يُفترض أنه القضية التي تشغل الكثيرين.
ويقول كريستيان ميللر وآرام أوستون المحرّران الأمنيان في شبكة برو-بابليكا الأميركية: في الربيع الماضي، اضطرت البعثة الدبلوماسية الأميركية في العراق إلى تغيير لم تكن راغبة فيه، فقد استبدلت شركة بلاكووتر الأمنية الخاصة التي لحقتها (فضيحة قتل عراقيين أبرياء في وسط بغداد) بشركة أخرى تسمى (تربل كانوبي).
والصفقة الجديدة التي بلغت قيمتها مليار دولار، قوّت وضع شركة (كانوبي) وجعلتها كمجهز بارز للخدمات الأمنية الخاصة في العراق، وأيضا بمسلحيها (المدجّجين بمعداتهم العسكرية) الذين غالباً ما يظهرون جنباً لجنب كبار دبلوماسيي الخارجية الأميركية.
لكن المشكلة التي أبرزت (أنيابها) لهذه الشركة الأمنية الخاصة التي لم تكن بشهرة بلاكووتر، ارتفعت في مدارج الأهمية في أعقاب طريق طويل من الفوضى الذي اتهمت فيه بعقد صفقات أسلحة مشبوهة، وبممارسة أساليب أدت الى الإفساد الحكومي. وبرغم ذلك لم تسفر التحقيقات الجنائية –في النهاية- عن شيء، وأغلقت القضية من دون أن توجّه للشركة أية تهم، وأيضا من دون أن تنظم دعوى قضائية ضدها.
ويقول المحللان السياسيان إن موظفي الشركة أخبروا المحققين الفيدراليين في الولايات المتحدة أن (تربل كانوبي) قايضت خمراً بالأسلحة، وبتجهيزات من الجيش الأميركي. وأوضح الموظفون أن الشركة اشترت بنادق وأسلحة أخرى من (السوق السوداء) في العراق. وكان بعض المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركان قد كشفوا عن قلقهم من أن تلك الأموال ربما تكون قد صبّت في النهاية بأيدي المتمردين، كما أظهرت ذلك بعض السجلات.
ويؤكد محللا شبكة برو-بابليكا أن هناك وثائق لم يكشف عنها من قبل، ومقابلات سرية أجريت مع مسؤولين سابقين وحاليين في شركة (تربل كانوبي) تثير أسئلة جديدة بشأن قدرة الحكومة الأميركية في الإشراف على مقاولي الأمن الخاصين في بيئة رجراجة وتنعدم فيها الرقابة القانونية. وقدم هؤلاء المسؤولون لمحة سريعة عن (العمل الفوضوي) في خلق (جيش خاص) من المرتزقة بسرعة خاطفة، وليعمل في وسط منطقة حرب!.
وفي حزيران سنة 2007، كان رونالد بولاين، المدير السابق لشركة (تربل كانوبي) قد أجاب في نهاية دعوى ضد الشركة عن سؤال: لقد أنفقنا الكثير من المال على هذه البنادق، ملايين الدولارات، فإلى أين تعتقد أن هذا المال قد ذهب؟، قائلاً: ((من الذين ساعدناهم بعملنا هذا؟. لقد ساعدنا الناس الذين يحاولون قتل الأميركان..هذا هو الاستنتاج المنطقي)).
وتلك الدعوى ضد الشركة، أقيمت في محكمة ولاية فرجينيا من قبل موظفين سابقين آخرين، استخدموا شركة (تربل كانوبي) بسبب عمليات إنهاء خدمات خاطئة. وكانت قد استقرت هذا الأسبوع، لكن لم يُكشف عن أية نتائج.
وكان التحقيق الجنائي قد بدأ سنة 2007 بعد أن تسلم المحققون الفيدراليون نصيحة مفادها أن شركة (تربل كانوبي) قد استخدمت سيارات مسروقة، وسيطرت على أسلحة عراقية، لرفع أرباحها إلى أكثر من 40 بالمائة في بعض العقود.
ورفض أندرو تي. باستر المحامي الأميركي المؤقت في المنطقة الشمالية لنيويورك التعليق على الكيفية التي قرر فيها مكتبه عدم إقامة الدعوى بالاتهامات. ويقول المحللان السياسيان أن مكتبه عالج الدعوة بهذه الطريقة لأن فواتير شركة (تربل كانوبي) كانت قد دُفعت في مكان قريب من مركز إنجاز العقد الفيدرالي.
وكان ستيورات باوين، المفتش العام المتخصص بشؤون إعادة البناء في العراق، والذي أشرف على التحقيقات، قد رفض التحدث بشأن التفاصيل. لكنه قال إن الصعوبة في بناء نسيج الدعوة ضد شركة (تربل كانوبي) مؤشراً على (المناخ العشوائي) الذي أنفقت فيه مليارات الدولارات الأميركية في العراق من دون إشراف دقيق.
وأضاف باوين قوله: ((ليس من الواضح ما إذا كان أي شيء فعلته شركة كانوبي إجرامياً، لكن كان أمراً عرضياً للفوضى التي سادت في ذلك الوقت. ويعد ذلك نموذجا آخر على عملية التعاقد ذهبت في الطريق الخطأ)).
ويقول مسؤولون في شركة (تربل كانوبي) إن الشركة لم ترتكب أي خطأ. إنهم يعترفون بشراء الأسلحة في العراق، عندما كانوا غير قادرين على استيراد البنادق الأميركية. لي فان أرسيديل الكولونيل المتقاعد في قوة ديلتا، والذي كان مدير الشركة التنفيذي حتى وقت متأخر، قد قال في مقابلة أجريت معه قبيل إحالته إلى التقاعد إن الشركة اتخذت كل إجراءات الاحتراس، لضمان أن لا تقع أية أموال في أيدي المتمردين.
ويضيف فان أرسيديل: ((لسنا فقط عسكريين سابقين، إنما مازال زملاؤنا السابقون يخدمون في الجيش، يعيشون، ويأكلون، ويفكرون معنا بشكل صحيح في تفهم بعض القضايا. وفي حالات معينة، لنا أفراد من عوائلنا هنا)). وتابع يقول: ((لكي نقول إننا كنا نموّل المتمردين سواء أكان ذلك بشكل مباشر، أو غير مباشر، فإن في ذلك إهانة لنا)).
لقد بدأت شركة (تربل كانوبي) في شهر أيلول من سنة 2003، عندما أنشأ الشركة جنديان سابقان في القوات الأميركية الخاصة، لاستغلال السوق (سريعة النمو) لقضايا الأمن الخاص. وكان العراق وقتها في بداية انقلابه نحو العنف، والقوات الأميركية كانت بحاجة الى المزيد من الجنود لحماية المسؤولين الأميركان والعراقيين، والبنى التحتية في البلد، والعناصر الميدانية في البعثة الدبلوماسية الأميركية الكبيرة في العراق.
وخلال ثلاثة شهور، حصلت الشركة على (ضربتها الأولى): لقد منحتها الولايات المتحدة عقداً لحماية أكثر من عشرة مواقع في أنحاء مختلفة من العراق. وفي ذلك الوقت، كانت الشركة تملك فقط حفنة من الموظفين. والأكثر (خطورة) أنها لم تكن تمتلك ترخيصاً باستيراد المئات من الأسلحة التي تحتاجها لحراسة تلك المواقع في العراق.
ويؤكد المحللان السياسيان أن الشركة قدّمت طلبات للحصول على ترخيصات باستيراد السلاح، فور حصولها على العقد المشار إليه، طبقاً لما تؤكده وثائق عرضها مسؤولون في تربل كانوبي. وكانت الحكومة الأميركية قد أمضت شهوراً للمصادقة على الصفقة، وليس لتخويل الشركة جمع السلاح حتى حزيران سنة 2004. وجوهر القضية أن الولايات المتحدة منحت الشركة صفقة مربحة، لكنها فيما بعد لم تزوّدها إلا بالقليل من القدرات لتسليح نفسها بهدف إنجاز عملها.
ولكي تحصل على القوة النارية التي كانت تحتاجها في ذلك الوقت، انعطفت الشركة إلى السوق العراقية غير المرخصة وغير المنظمة، لتشتري البنادق الهجومية AK-47 وأسلحة أخرى من (تجار سلاح عراقيين محليين) طبقاً لما أكده مسؤولون في الشركة، وبحسب سجلات المحكمة.
هذه الصفقات أقلقت بعض المسؤولين في الشركة، طبقاً لسجلات لم يكشف عنها سابقاً. وأحد المسؤولين –من متوسطي المرتبة في الشركة- أخبر المحققين الفيدراليين أن (تربل كانوبي) قد اشترت أسلحة ((من الشوارع العراقية)). وتساءل ((ما إذا كانت هذه الصفقات (تموّل) التمرّد الذي تقوده القاعدة في العراق)). هكذا كتب المحقق في جانب من تسجيله للتحقيقات. كما أخبر مديرون سابقون المحققين أن الشركة حصلت على معدات عسكرية أميركية من القوات بكلف زهيدة أو من دون مبالغ. وأحد هؤلاء أخبر المحققين في مقابلة جرت في تشرين الأول سنة 2008 أن الشركة كانت بعض الأحيان تحصل على تجهيزات السلاح مقابل (الخمور) وكان موظفو (تربل كانوبي) كانوا يعقدون –بشكل روتيني- صفقات مع الوحدات العسكرية التي كانت مهماتها داخل العراق وخارجه، للحصول على تجهيزات طبية، وعلى الماء، وإطارات السيارات، وأشياء أخرى لم يسمها.
ويقول بولن الموظف السابق في الشركة، والذي طـُرد منها بعد خلافات مع المشرفين عليها: ((العقلية التي كنا نفكر بها في ذلك الوقت، هي أننا سننجز العمل الذي يجب أن نقوم به مهما كانت النتائج)). ولم يبلـّغ بولن بعزله من وظيفته، إلا بعد شهور من صدور قرار إنهاء خدماته.
من جانبه اعترف مدير الشركة السابق ارسيديل أن استيراد الأسلحة الأميركية كان صعباً ومثيراً للمشاكل، فيما كانت الشركة تبدأ عملها في العراق. لكنه قال إن الشركة اتخذت خطوات لضمان شراء أسلحة بـ(بشكل قانوني) طبقاً لزعمه. وأوضح قوله: ((لم يكن أمامنا سوى بضعة شهور لبدء خطتنا. فما الذي يمكن عمله. كانت الاستجابة الوحيدة أمامنا أننا يجب أن نقوم بإجراء سريع للحصول على الأسلحة التي نحتاجها من الأسواق المحلية العراقية، وهي الحال التي عطلت مسألة التفكير في إمكانية أن تقع تلك الأموال القابلة للاستبدال في الأيدي الخطأ))!.
ويضيف فان أرسيديل قوله إن شركة (تربل كانوبي) اتجهت إلى (مشتر محلي موثوق) نصحت به الحكومة الأميركية. وقدمت الشركة وثائق تظهر أن هذا الرجل –كما يُقال- اشترى الأسلحة، وهو رجل أعمال عراقي، وطبقاً لمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية، كان موثوق الجانب ومعروفاً لدى الولايات المتحدة. ويؤكد المحللان السياسيان في شبكة برو-بابليكا أن الشركة قدمت أيضا العديد من الرسائل التي تتضمن نصائح من المسؤولين العسكريين الأميركان التي (تمتدح) هذا الرجل الذي عمل أيضا مترجماً لصالح الوحدات العسكرية الأميركية في العراق.
وزعم فان أرسيديل أن الشركة لم تقايض السلع والبضائع (أي الخمور والسيكار وأشياء أخرى) بمعدات الجنود الأميركان. وادعى أن شركة (تربل كانوبي) أجرت تحقيقات كاملة بالاتهامات التي وجهها بولن، ولم تعثر على دليل واحد قوّي يدعم تلك الاتهامات. وتساءل الجنرال السابق والمدير السابق أيضا للشركة عن دوافع بولن، ملاحظاً أن بولن انتظر حتى سنة 2007 لكي يوجه مثل هذه الاتهامات. ويذهب الجنرال الى أبعد من ذلك، باتهام بولن أنه اعترف في حفلة توديعه بعد انتهاء خدماته بالتهديد في الكشف عن اتهاماته علناً، إذا أغلق مسؤولو شركة تربل كانوبي الطريق أمام منحه ترخيصاً أمنياً يمكنه من الحصول على وظيفة جديدة.
ورفض بولن عبر رسالة بريد ألكترونية التعليق على هذه القضية، مستشهداً باتفاقية عدم الكشف عن المعلومات التي كان قد وقعها، عندما تسلم وظيفته في شركة (تربل كانوبي). واعترف فان أرسيديل بالسرعة المحمومة –حسب تعبيره- التي أنجزت فيها عقود الصفقات. لكنه زعم أن الشركة –برغم مواجهتها لضغوط المواعيد النهائية التي فرضتها العقود- فإنها لم تخرق القواعد أو القوانين التي تنظم عملها.
وقال أرسيديل: ((لقد اتّبعنا معايير ذهبية في تدريب عناصر الشركة وتجهيزها وتسليحها ولم نبخل لا بالوقت ولا بالنفقات الضخمة التي نضمن بها نجاحنا)). وتابع حديثه قائلاً: ((في مدة شعار السرعة..السرعة..السرعة.. أمضينا أسبوعين في تدريب الأشخاص، لكي نضمن أنهم جاهزون للذهاب الى العراق.
أما ما يُقال –يؤكد فان أرسيديل- أننا نصطاد في الماء العكر، ونعمل في الزوايا المظلمة، وأننا نهازو فرص، وتجار حروب ومرتزقة، فإن الحقائق التي نعمل بها تقف بصلابة أمام هذه الاتهامات. و((من ناحية اقتناء الأسلحة من الأسواق العراقية المحلية، ومن تجار عراقيين، وسط تخوّفات أن تكون الأموال ذهبت إلى أيدي الإرهابيين، فإن أحكام القوانين واضحة، ونحن اتبعناها ولم نخرقها))!!.
من جانب آخر يرى محللون أمنيون في واشنطن أن كل هذه الذرائع التي يقدمها مسؤولو شركة (تربل كانوبي) الأمنية الخاصة التي وجدت نفسها بديلاً لشركة بلاكووتر التي أحاطت بها الفضائح الإجرامية، لا تتعدّى كونها مؤشرات على أنّ الشركة (محميّة) من قبل مسؤولين عسكريين أميركان، وأنّ هناك مستوى من التواطؤ السرّي يصعب كشف وثائقه أو حقائقه في مرحلة مثل هذه.
ويستند كريستيان ميللر وآرام أوستون المحرّران الأمنيان في شبكة برو-بابليكا الأميركية إلى حقائق أخرى بقولهما إن مسؤولين كبار سابقين في سلطة التحالف المؤقتة، أي حكومة الاحتلال الأميركي التي سيطرت على العراق من نيسان 2003 بعد سقوط بغداد وحتى حزيران من السنة التالية 2004، تساءلوا ما إذا كان مسؤولو شركة (تربل كانوبي) قد اعتمدوا إجراءات قانونية ما في شرائهم للأسلحة من الأسواق المحلية العراقية، أم أنهم تصرفوا بموجب (حاجتهم) التي أملتها (ظروف) فوزهم بصفقات حماية خاصة، تدرّ عليهم أرباحاً لم يكونوا يحلموا بها!.
ويؤكد المحللان أن هؤلاء المسؤولين لاحظوا أن أي شخص من التجار أو رجال الأعمال العراقيين الذي تكون بحوزته مثل هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة التي باعها لشركة (تربل كانوبي) لابد أن يكون رجل أعمال أو أحد المسؤولين العسكريين العراقيين ممكن كانت لهم روابط مع نظام الرئيس السابق صدام حسين. وهي حال -في تلك المدة الحرجة من ظروف العراق- يمكن أن تثير الكثير من التساؤلات عمّن تكون هذه الشخصية، وعمّن يكون وراءها، لاسيما أن هناك مسؤولين عسكريين في البنتاغون يذهبون الى أنّ (الشخصية التي اشترت الشركة الأسلحة منها) معروفة لديها و(موثوقة)!.
ويقول بعض المسؤولين الأميركيين في العراق أن شراء البنادق من الأسواق المحلية كان أمراً محظوراً. ويؤكد أحد هؤلاء المسؤولين، وهو ستيف كاستيل، مستشار أميركي كبير لوزير الداخلية العراقي في ذلك الوقت أن (قطيعة) فعلية كانت بين واشنطن وبين ما يحدث على الأرض في العراق من فوضى واختلال لكل المعايير.
وأضاف كاستيل الذي يعمل حالياً في شركة أمن خاص أخرى. قائلاً: ((لم يكن هناك سوق قانونية في العراق لبيع الأسلحة. وإذا كان هؤلاء قد اشتروا السلاح من سوق محلية، فإن ذلك يقتضي أنهم اشتروها من السوق السوداء)). وشدّد على القول: ((لم يكن هناك أي احتمال أن تكون هذه المشتروات من السلاح قد تمت بموجب توجيه من المسؤولين الأميركان. ولم تكن قد تمت تحت أي من القوانين العراقية التي أعرفها)).
ويؤكد المحللان الأمنيان أن إحباطات شركة (تربل كانوبي) في تعاملها مع الحكومة الأميركية كانت حالا (فريدة من نوعها) ومشخصة بشكل جيد. وفي مقابلة عديدة، واستشهد مسؤولون صناعيون سابقون أميركان بالمناخ الجنوني الذي أثير عندما طالب ضباط أميركان متعاقدون مع الجيش الأميركي ببنادق يشترونها من السوق المحلية، ويستخدمونها في مهماتهم.
وقال مسؤول شركة أمنية خاصة إن (باعة جوالين عراقيين) كانوا يعرضون الأسلحة في سوق بالهواء الطلق، وفي وضح النهار. كانت بنادق AK-47 الهجومية، وأسلحة أخرى، وذخائر، معروضة على مناضد الباعة. ومثل هذه المشاهد كانت على مرأى من المسؤولين الأميركان الموجودين في العراق.
ويقول المسؤول الأميركي الذي يعمل في شركة منافسة لشركة (تربل كانوبي)، ولهذا لم يشأ أن يكشف عن اسمه أو هويته: ((كانت أسواق السلاح في العراق مفتوحة ولم يكن هناك محددات قانونية. كان عمليات المقايضة في هذه السوق تُجرى بحرية كاملة ومن دون رقابة أو تدخل حتى من قبل سلطات الاحتلال)). وأضاف: ((لا أعتقد أن هناك شركة لم تفعل ما فعلته شركة كانوبي)).
وثمة ذرائع تتحدث عن أن الشركات الأمنية التي كانت قد طلبت إدارتها شؤونها العملية واحتياجاتها للسلاح أو لغيره من خلال القنوات الرسمية، قد واجهت مصاعب كبيرة بسبب المواعيد النهائية التي تعهدت الالتزام بها، وبشكل ثابت كانت المتطلبات التي تتغير باستمرار والتصادمات البيروقراطية بين المسؤولين الأميركان على أرض الحرب في العراق أو في المكاتب الخلفية بواشنطن أحد أسباب اندفاع شركة تربل كانوبي –وربما شركات أخرى لم يُكشف عن صفقاتها- نحو السوق السوداء المحلية لشراء الأسلحة بأسعار زهيدة جداً.
وحسب أحد المسؤولين السابقين في سلطة التحالف المؤقتة، فإن ((عناصر الشركة كانوا بحاجة الى الأسلحة. ولهذا فإن الذهاب في هذا المسار، وشراء هذه الأسلحة من السوق السوداء، يحتّمه عدم الحصول عليها من أماكن أخرى)). وأضاف المسؤول قوله: ((ما دمت تواجه طلبات، فإن عليك أن تتحرك لضمان تجهيزها))!.
ويقول المحللان الأمنيان في شبكة برو-بابليكا الأميركية إن مسؤولي سلطة التحالف المؤقتة كانوا مدركين أن هناك سيطرة قليلة على الأسلحة التي تستعمل من قبل عناصر شركات الأمن الخاص المتعاقدة مع الجيش الأميركي. لكن الأفكار التي كانت تحث على تحقيق سيطرة أكبر قد أهملت. وينقل المحللان عن أحد مسؤولي سلطة التحالف السابقين قوله: ((لقد أدركنا أن هناك مشكلة. كان لدينا نوعية متناقضة. ولم تكن هناك سيطرة كبيرة أو مسؤولية على تلك الأسلحة التي كنا نحتاجها)).
وقد وجدت شركات أخرى أيضا وسائلها للحصول على الأسلحة، فشركة بلاكووتر سيئة الصيت والتي تعرف الآن في الولايات المتحدة باسم Xe تقول في بيان لها بهذا الخصوص أنها حصلت على تراخيص استيراد وتصدير أميركية صالحة لأسلحة منتسبيها. وكانت السلطات الأميركية قد حققت مع الشركة المذكورة متهمة إياها بعمليات تهريب سلاح، لكنها حتى الآن لم تنظم دعوى قضائية بشأنها، فضلا عن أن الشركة أنكرت مثل تلك الاتهامات وعدّتها ادعاءات غير صحيحة!.
وبدا للمراقبين في واشنطن أن علاقات مسؤولي الشركة بمسؤولي الخارجية الأميركية هي التي تقف وراء هذا الإحجام عن مواصلة التحقيق في اتهامات تهريب السلاح وإحالة الشركة الى القضاء، ولاسيما بعد أن أصرّت على استخدامها باسم آخر في مهمات حماية الدبلوماسيين الأميركان في العراق، باستخدام طريقة التأجير بالباطن بحسب تعبير المراقبين الذين يؤكدون أن (التواطؤات) بين الخارجية والدفاع من جهة وبين شركات (الأمن الخاص) من جهة أخرى قادت الى انحرافات يصعب كشفها أو السماح بصعودها الى السطح، ذلك أن هناك خطة عسكرية مستقبلية للتركيز على الاستفادة من (المرتزقة) في الحروب الأميركية!.
وأكد مسؤول في شركة (دينكورب)، ثاني أكبر شركة أمنية تعاقدت مع الجيش الأميركي إن الحصول على الأسلحة تم فعلا ومن مصادر مختلفة. وفي بعض الصفقات، كانت هناك تراخيص رسمية، سمحت باستيراد الأسلحة الأميركية. وبالنسبة لصفقات غيرها، رفضت الطلبات، فاضطرت الشركة الى الانعطاف الى الأسواق المحلية لشراء السلاح.
من جانب آخر يقول أحد مسؤولي شركة (دينكروب) الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: ((لقد أجبرنا على التوجّه الى الأسواق المحلية بالرغم من قيود العقود والمقاولات الفرعية المفروضة من الحكومة الأميركية، ذلك بسبب غياب الآليات البديلة التي تسمح بتصدير الأسلحة الى العراق. ورغم ذلك تحملنا المسؤولية في توفير الخدمات بموجب تلك العقود الحكومية)).
واعترف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الوزارة كانت متباطئة في الاستجابة للحاجة الى أسلحة الشركات التي كانت قد تعاقدت معها. وحتى أواخر سنة 2004، منعت مديرية إدارة السيطرة على التجارة العسكرية معظم الطلبات لاستيراد أسلحة أتوماتيكية لشركات الأمن الخاص، وهي نتيجة طبيعة لسياسة قديمة تمارس منذ عقود بهدف قطع دابر –أو تخفيف- العمليات الدولية لتهريب الأسلحة.
وعندما بدأت شركات الأمن الخاص بطلب الأسلحة لتنفيذ التزامات العقود التي أبرمتها مع الحكومة الأميركية –يقول المحللان- كان ذلك بمثابة مفاجأة للمديرية المذكورة، كما يقول المسؤول في الخارجية. ولم تكن سياستها قد تغيرت حتى كانون الأول سنة 2004 لمنح شركات الأمن الخاص تراخيص لأكثر من سنة ونصف السنة، بعد أن جرى التعاقد مع مثل هذه الشركات للعمل في العراق.
ويقول المسؤول في الخارجية، والذي تحدث عن خلفية سياسة مديرية السيطرة على التجارة الدفاعية: ((هذا الأمر كان شيئاً لم تعدّه وزارة الخارجية الأميركية جزءاً من مسؤوليتها)). وأضاف: ((وما عملوه كان قد مرّ نسبياً بمناقشات طويلة، والوصول الى قرار بشأن كيفية معالجة الأمر والتعامل مع هذه المشكلة)). وفيما تطور نظام استيراد الأسلحة في العراق، يعترف مسؤول الخارجية والصناعة أن المشاكل باقية على حالها في أفغانستان.
وبشكل جزئي –يقول المحللان- تعكس هذه الرؤية حقيقة أن الكثير من الشركات قد عملت ذلك. وبصرف النظر عن الظروف في العراق، فإن الحضور المكثف لمنظمات الإغاثة والمساعدات الدولية بحاجة الى الأمن. وشراء الشركات للأسلحة من المصادر المحلية يجعل المخاطرة مستمرة بوصول الأموال الى المتمردين، طبقاً لقول أحد المسؤولين الأميركان الذي لم يشأ الكشف عن هويته.
وأفغانستان في الوقت الحاضر، تتشابه من حيث طريقة إدارة هذه الأمور مع الأيام الأولى في العراق، وبالمقارنة هناك القلق من المحققين على الأرض لمراقبة مليارات الدولارات التي تصب في هذا البلد الإسلامي الآن. ويقول أحد مسؤولي الصناعة الأميركان: ((الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه في العراق))!.