يونيو 30، 2009

الكلدانيون هنود حُمر العراق


حبيب تومي، اوسلو

من نافلة القول والأطناب في التذكير بأن الكلدانيين في العراق يشكلون شريحة قومية عراقية اصيلة، إنهم من السكان الأصليين في بلاد ما بين النهرين، وهم بمثابة الهنود الحمر في اميركا والسكان الأصليين في استراليا. لقد ساهم الكلدانيون ببناء حضارات عريقة سطع شعاعها لينير دروب المسيرة الانسانية في العلوم والفنون والفلك والطب والقانون والهندسة والزراعة واختراع الكتابة والتقويم والتقسيم الزمني الذي تعمل به البشرية لحد الساعة.

احد المعلمين الكلدانيين في بلاد اليونان، وهو بيروس، واصل اسمه، برحوشا، فهو كلداني بابلي اصيل تعلم اليونانية، ودرّس العلوم الكلدانية في اثينا سنة 341 قبل الميلاد وأحبه اهل اثينا حتى انهم نصبوا له تمثالاً لسانه من ذهب.

وعن الكلدانيين وعلومهم يكتب قاضي صاعد الأندلسي في "التعريف بطبقات الأمم" ان الكلدانيين هم الأمة الثانية بين الأمم ومنهم الكربانيون والآثوريون والأرمنيون والجرامقة واهل الموصل.. الخ، وعن علومهم يقول الأندلسي: أن الكلدانيين هم الأمة الثالثة فكانوا امة قديمة الرئاسة نبيهة الملوك. وكان منهم علماء جلّة وحكماء وفضلاء يتوسعون في فنون المعارف والعلوم الرياضية والإلهية وكان لهم عناية خاصة بأرصاد الكواكب وتحقق بعلم اسرار الفلك.

نعم هؤلاء هم الكلدانيون في العصور القديمة وبعد بزوغ فجر المسيحية كانوا في مقدمة معتنقي الدين المسيحي لما في ذلك الدين من معاني السلام والمحبة الانسانية. وفي هذا العصر واصلوا دورهم في تطوير العلوم والفلسفة والترجمة والطب، وكانت الأديرة والكنائس والمدارس مبثوثة في تربة العراق، كما ان صيت الكنيسة الكلدانية وتبشيرها بالمسيحية وصل الى بلاد الهند والصين، فكان لها من المؤمنين في هذه الديار والكنائس الكلدانية في تلك الأصقاع لا زالت شاخصة تؤدي دورها الديني والإنساني.

هذه الشريحة الوطنية العراقية الأصيلة بقيت لعصور طويلة ملح الأرض العراقية فكان الكلدانيون في البصرة والموصل والعمارة ومناطق بغداد وكل اصقاع العراق يؤدون دورهم الإنساني والوطني في خدمة الوطن العراقي، كان الكلدانيون ولحد اليوم يجسّدون الأخوة العراقية بأزهى معانيها وكانوا يقفون على مساحة واحدة من اطياف المجتمع العراقي إن كان من العرب أو الأكراد أو التركمان أو الآشوريين أو الأرمن.. ولم يكن لهم في يوم من الأيام اي مشكلة مع اي قومية او دين من المجتمع العراقي.

بعد ابريل/نيسان 2003 حيث غابت سطوة الدولة وانتهك النظام، وشاعت شريعة الغاب، فكان نصيب شعبنا الكلداني من تلك الفوضى حرق الكنائس وتفجيرها وعمليات القتل والخطف والابتزاز وعمليات اغتصاب الأملاك والتعدي على الأعراض والتشريد، نعم هذه كانت حصيلة ما طال شعبنا الكلداني "هنود حمر" العراق وهذه الأعمال الانتقامية كانت وراء تشريد هذا الشعب من دياره ولجوئه الى ملاذات آمنة إن كان في اقليم كردستان او دول الجوار تمهيداً للحصول على لجوء في دول تحترم حقوق الأنسان والأقليات.

في الشأن السياسي كان الحاكم الأميركي بول بريمر قد لعب دوراً قذراً في مسألة تهميش حق الهنود الحمر العراقيين وذلك حينما اختار الأحزاب الآشورية لتكون ممثلة لمسيحيي العراق.

الأحزاب الآشورية لم تكن أمينة ووفية على حفظ الأمانة فهذه الأحزاب، احزاب قومية شوفينية ايديولوجية، عملت منذ اليوم الأول لتسلمها زمام الأمور على تبخيس القومية الكلدانية العراقية الأصيلة، وحاول السيد يونادم كنا وهو الذي عينه الحاكم الأميركي ممثلاً للمسيحيين، منذ اليوم الأول بهذا الاتجاه بغية ابتلاع الكلدانيين ومسحهم من الخارطة القومية العراقية. ولم يفلح هذا الرجل في تحقيق مآربه وافكاره المتشددة، فكان تثبيت القومية الكلدانية في الدستور العراقي.

اليوم نفس الأحزاب الآشورية المتشددة الشوفينية تحاول طمس الحقيقة الكلدانية من الخارطة السياسية في اقليم كردستان، وبعد ان نوقشت مسودة الدستور واصبحت جاهزة للتصديق عملت الأحزاب الآشورية بشكل بعيد عن معاني الصداقة والشعب الواحد، وبشكل تشوبه حزمة من علامات الاستفهام، فكان اشبه ما يكون الى لعبة غير نزيهة بدلاً من ان يكون عن طريق التفاهم والتراضي.

أقول للقيادة السياسية في اقليم كردستان: "إن الأحزاب الآشورية لا تمثل الشعب الكلداني".

كما ان الأحزاب العربية او التركمانية لا تمثل الشعب الكردي. إن الشعب الكلداني لا يقبل بهذا التهميش، وينبغي الاقرار بان بعض الاصوات المؤيدة من شعبنا الكلداني لهذا القرار، لا يخلو هدفها من عنصر الاخلاص وتؤيد الوحدة الحقيقية ولا تعير اهمية لموضوع الأسماء.

لكن هناك شريحة اخرى متكونة من بعض الكلدانيين الذين يتناكفون لتأييد هذا التهميش ويفتخرون بتبخيس قوميتهم الكلدانية، وهم الكلدان المنتفعين والمستفيدين من الأحزاب الآشورية ليس الا، وحالهم يشبه حال الأكراد الذين كانوا ينخرطون في صفوف القوات الحكومية لمحاربة بني قومهم وشعبهم الكردي من أجل حفنة من الدنانير.

أن الشعب الكلداني يمثلهم احزابهم السياسية الكلدانية ومؤسسة الكنيسة الكلدانية متمثلة بغبطة البطريرك، والاساقفة والآباء، فلا نقبل بألاحزاب الآشورية الشوفينية ان تنوب مناب الشعب الكلداني.

أدعو كل الخيرين في الوطن العراقي الوقوف الى جانب الشعب الكلداني "هنود حمر العراق". إن مناصرة شعبنا الكلداني لنيل حقوقه الكاملة في العراق الفيدرالي وفي اقليم كردستان هو وفاء لهوية العراق الأصيلة.

وأناشد كل الخيرين الكتاب الأحرار من العرب والأكراد والتركمان والذين يؤمنون بحقوق الأنسان وحرية المعتقد والانتماء وحرية الأقليات عموماً ان يرفعوا اصواتهم لمناصرة الشعب الكلداني في الحملة الظالمة التي تهدف الى انتهاك وتهميش حقوقه القومية في وطنه العراقي.

اوقفوا الحملة الشعواء بحق الكلدانيين وأحزابهم وكنيستهم.