يونيو 25، 2009

بترول العرب للعرب وبترول الأكراد للأكراد

نزار آغري
في حفل مشهدي باذخ دشن رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في الأول من شهر حزيران، يونيو، تصدير أولى الكميات المستخرجة من إقليم كردستان. وحدث ذلك بعد أن وافقت الحكومة المركزية في بغداد، على مضض، على مرور النفط الكردي إلى تركيا عبر خطوط الأنابيب التابعة لوزارة النفط العراقية الاتحادية.
لطالما اعتبر مسؤولو وزارة النفط العراقية أن العقود النفطية التي وقعتها حكومة إقليم كردستان غير قانونية. ودأبت الحكومة العراقية، على لسان وزير النفط حسين الشهرستاني، على القول بأن عقود حكومة اقليم كوردستان الموقعة مع شركات النفط ليست دستورية بأي شكل من الأشكال، ولن تعترف بها أبداً. وفي المقابل بقيت حكومة الإقليم تصر على قانونية عقودها بل أنها زادت في عدد العقود وجلبت المزيد من الشركات التي تسعى وراء مثل هذه العقود.
لماذا تراجعت الحكومة المركزية عن موقفها المتعنت وسمحت للاقليم بتصدير النفط؟ الحال أن الحكومة لم تتراجع عن موقفها من السلوك الذي تتبعه حكومة الإقليم في ما يتعلق بمسألة استخراج النفط وتصديره. ولم تكد حفلة التدشين تنتهي حتى عاد وزير النفط العراقي ليعلن رفضه للإجراء الكردي لتعارضه مع السياسة النفطية المركزية.
غير أن الزعماء الكرد بدوا واثقين من أنفسهم ولم يكترثوا للاعتراضات المتتالية من الحكومة المركزية. بل إن رئيس الحكومة الكردية لم يتردد في الإستهزاء من أقوال وزير النقط العراقي واصفاً أياه بالفاشل الذي لايتقن شيئاَ من أمور النفط. وذكر رئيس الجمهورية جلال الطالباني، في كلمته خلال المناسبة، أن "تصدير النفط من إقليم كردستان دستوري وشرعي، وهو تأكيد على إرادة الشعب العراقي بما فيه شعب كردستان العراق، باستثمار ثرواته الوطنية لمصلحة الشعب".
ويصر الزعماء الأكراد على القول بأن العقود التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان هي لصالح الشعب العراقي وليست لصالح إقليم كردستان وحده، وأن النفط الذي يستخرج من كردستان العراق تبيعه الحكومة العراقية وتدخله في ميزانية الدولة. وتبعاً لهؤلاء فإن هذا النفط هو ملك للشعب العراقي، سواء كان في بغداد أو في أربيل أو البصرة أو الرمادي. وقال رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، هو الآخر، في كلمته خلال حضوره حفل التدشين إن نفط العراق وعائداته حق لكل أبناء الشعب العراقي.
غير أن الكلام الجميل عن أن النفط المستخرج من كردستان يعود للعراق كله يتناقض مع ما يجري على أرض الواقع وكذلك مع ما يردده الزعماء الاكراد في ما بينهم. الحال أن تحت الغطاء البراق من التفاهم بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ثمة سوء ظن راسخ.
لقد أكد رئيس لجنة الصناعة والطاقة في برلمان كردستان على أن تصدير نفط كردستان سيدر في المستقبل ملايين الدولارات على الاقليم وأن المشروع سيخلص اقليم كردستان من التبعية الإقتصادية للعراق.
ويرى الساسة الكرد أن هذه الخطوة ستعزز موقع الإقليم في المعادلات السياسية، ومن خلال هذا المشروع الاستراتيجي سيصبح إقليم كردستان غنيا بانتاج النفط و"سيكون قادراً على إدارة أموره بنفسه".
تشكو الحكومة العراقية من إقدام المسؤولين الكرد على اتخاذ القرارات بمفردهم ومن أن الكثير من الأمور المتعلقة بمسألة تصدير نفط الإقليم الى الخارج وأسهم الشركات في واردات النفط الذي يرسله الاقليم تبقى سرية لاتعلم بها الحكومة.
ولا توافق حكومة الاقليم على الافصاح عن حجم حصة شركات استخراج النفط، هل هي 20% أم 55% واذا كان كذلك "فماذا سيبقى للحكومة؟".
تنكر الحكومة المركزية بأن تكون لها أية مسؤولية إذا ما حدثت مشكلة بين الشركات المنتجة وحكومة الاقليم. وحجتها في ذلك هو انه ليس لها أي علم بمضمون الاتفاقيات والعقود الموقعة بين الإقليم وتلك الشركات.
وبحسب وزير النفط العراقي، حسين الشهرستاني، فإن على حكومة الإقليم دفع مترتبات التصدير من ميزانيتها، لأن العقود مبرمة مع حكومة الاقليم، وطبقا لهذا فإنه ينبغي تعويض تلك الشركات بأكثر من نسبة ال 17% التي تعطى كميزانية لحكومة الاقليم.
إن جميع العقود المبرمة هي من نوع اتفاقيات الشراكة في الانتاج حيث تعطى نسبة كبيرة من الأرباح للشركات، هذا فضلا عن ان الشركات التي تم ابرام العقود معها شبه مجهولة وغير معروفة في السوق النفطية العالمية وقد تأسس بعضها في كردستان او أنها كانت موجودة مسبقا ولكنها عملت في مجال نقل النفط وليس لها إلمام باستخراج النفط، هذا إضافة إلى أن أسماء بعض هذه الشركات مدرجة في القائمة السوداء لعلاقتها بكوبونات النفط لدى حكومة البعث.
وفق الدستور العراقي يترتب أن يمر توقيع العقود النفطية عبرالبرلمان العراقي هذا فضلا عن ضرورة قيام اللجان المختصة بفحص العقود وقراءة معدلات الربح والخسارة في الاتفاقية بشكل جيد. غير أن العقود النفطية الكردية لا تمر لا في البرلمان العراقي ولا في برلمان إقليم كردستان. إنها عقود غامضة وغير واضحة ولا يدري أحد كيف توقع ولاتجري مناقشتها في أي مكان.
والسؤال الذي يمكن أن يخطر للمرء هوأنه إذا كانت حكومة الاقليم تتسلم فقط النسبة التي حددتها حكومة بغداد من المال فلماذا هي متحمسة أكثر من الحكومة العراقية نفسها في أمر التصدير؟ لماذا ينبغي تصدير نفط كردستان بسعر بخس دون أن يدخل ميزانية حكومة الإقليم أي شيء؟ إن تصدير النفط بهذا الشكل يعتبر خسارة اقتصادية كبيرة للإقليم حيث أن حكومة الاقليم ، وبحسب المصادر الحكومية العراقية، لن تستطيع الحصول على أي عائد مادي مباشر بخلاف الـ(17%) من الميزانية الحكومية بعد استقطاع النفقات السيادية، مما يعني أن حصة شركات النفط المستخرجة للنفط ستأخذ من الـ (17%) وهذا يعني أن ميزانية الاقليم قد لاتحصل على نسبة أعلى من (5%) من صافي مبيعات النفط الخام.
لقد جرى حفل تدشين تصدير النفط بغياب كامل لأي عضو في الحكومة العراقية وبدا الأمر كما لو أن الاحتفال يجري في بلد آخر لاعلاقة له بالعراق البتة. وكانت الشركات النفطية تتباهى لانتصارها في توقيع العقود وتصدير النفط عبر تركيا.
والواقع يشر إلى أن اللاعب الرئيسي في العملية كلها هو تركيا التي كانت، حتى وقت قريب، تنظر لأي خطوة كردية من هذا القبيل بعين الريبة. إن تركيا هي بالفعل الفائز الأكبر في كل هذا. وانفتاحها المفاجيء على إقليم كردستان العراق لايعود إلى صحوة في الضمير بل إنه يرجع، في رأي كثرة من المراقبين، إلى المنافع الكثيرة التي تجنيها الشركات التركية من تصدير النفط من الإقليم الكردي. وهناك من يعتقد أن "إتفاقاً سرياً" بين حكومة إقليم كردستان العراق وتركيا، بموافقة أميركية، قد تحقق. وبهذا الصدد يشير محللون سياسيون الى احتمالات أن تكون الولايات المتحدة قد أعطت ضمانات لتركيا بمساهمة حكومة كردستان العراق في ضبط إيقاع متمردي حزب العمال الكردستاني مقابل أن تصبح أنقرة حاضنة للمشروع النفطي الكردي. وجاء في صحيفة "تودي زمان" التركية أن صادرات النفط الخام من كردستان العراق الى الأسواق الأوروبية بوساطة تركيا تنال رضى الأتراك والأميركيين معاً. والأكراد متلهفون لتأسيس علاقات أكثر إخلاصاً مع أنقرة من بغداد. وتنقل الصحيفة قول خبراء سياسيين أتراك عن أن تدفق النفط الكردي عبر تركيا كان "تحركاً" مباغتاً سجّل الكثير من "الألم" للحكومة المركزية في بغداد.
وطبقاً لهؤلاء الخبراء فإن التعاون بين تركيا والإقليم الكردي في هذا الحقل سينمو سريعاً وسيصبح متنوعاً وعميق التأثير على الاقتصاد التركي. وهذا التعاون سوف يتوسع بشكل طبيعي إلى حقول السياسة والمجتمع بما يسهم في تهدئة المشكلة الكردية في تركيا والانتهاء من الصداع المزمن الذي يسببه متمردو الحزب العمالي. وترى تركيا أن مسألة تصدير النفط الكردي عبر أراضيها جاء في وقته المناسب. ويرى الأتراك والأكراد أن العلاقات الاجتماعية بين تركيا والأكراد العراقيين سوف تخدم جهود السلام.
إن إحدى السمات البارزة للمشكلة الكردية هي الفقر في منطقتي شمال العراق وجنوب شرق تركيا. ومن شأن صادرات النفط والغاز الطبيعي أن تزيد حجم التجارة في المنطقة بشكل دائم. وبالطبع فإن التطور التجاري سوف يسهم بخفض نسبة البطالة في المنطقتين مما ينعكس إيجاباً على آفاق حل مشكلة التمرد المسلح.
كان حضور رئيس شركة غانل أنرجي النفطية التركية بارزاً في الاحتفال الذي جرى في أربيل وكان هذا يشكل مفارقة في ضوء غياب وزير النفط العراقي عن المشهد. كان الأمر قريباً من تدشين شراكة كردية ـ تركية بالضد من اعتراض الحكومة المركزية في بغداد. إن التصرف الكردي على أرض الواقع يدحض قول المسؤولين الأكراد عن أنهم في ما يقومون به إنما يريدون خدمة العراق كله. بل إن لسان حالهم قريب من ترسيخ مقولة: بترول العرب للعرب وبترول الأكراد للأكراد. ولايستطيع المرء من منع نفسه من طرح بعض التساؤلات:
1ـ إذا كان من حق الحكومة المركزية في بغداد أن تشرف على العقود النفطية وتبت في شؤون التصدير سواء أكان النفط المستخرج "في البصرة أو بغداد أو أربيل أو الرمادي" فلماذا إذن تمنع من الاطلاع على العقود التي أبرمتها، وتبرمها، حكومة الإقليم مع الشركات الخارجية؟
2ـ إذا كانت هذه العقود "دستورية وشرعية" فلماذا لايجري عرضها على البرلمانين المركزي في بغداد والإقليمي في أربيل؟
3ـ إذا كان النفط الذي تم تصديره من إقليم كردستان نفطاً عراقياً فلماذا هذا الاحتفال الكردي الصاخب من دون العراقيين الآخرين من العرب والأشوريين والتركمان ؟
هناك ، من الأكراد، من يشير إلى أن قول الزعماء الكرد عن "إن نفط العراق وعائداته حق لكل أبناء الشعب العراقي" يفتقر إلى أي سند على أرض الواقع وأن من يستفيد من كل ذلك هو الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حصراً.