يونيو 20، 2009

تفاصيل قصة (اختر احمد مصطفى) مع جهاز الاسايش في السليمانية


مابرح اهالي السليمانية يستذكرون بمرارة حادث التفجير الانتحاري للسيارة المفخخة التي استهدفت اكبر فندق سياحي وهو فندق قصر السليمانية او السليمانية بالاس الواقع في قلب المدينة والمدار من قبل المستثمر المحلي فريدون عبدالقادر، العضو السابق في المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني، فقد وقع التفجير الانتحاري الذي نفذه شاب تركماني لم يبلغ العشرين من العمر يدعى محمد من اهالي تلعفر، استغلت القاعدة سذاجته واندفاعه لدفعه الى تنفيذ تلك العملية الارهابية، مساء العاشر من آذار 2008 التي اسفرت عن مصرع احد حراس الفندق الذين هم من منتسبي جهاز الامن الكردي – الاسايش واصابة نحو 33 مدنيا بينهم عدد من عاملات الفندق الاجنبيات .
لم يكن التفجير الذي استهدف ذلك الفندق الذي تؤمه في الغالب الوفود الاجنبية وكبار المسؤولين الحزبيين والحكوميين، مجرد عملية ارهابية وحسب بل قصة اجتماعية مثيرة وذات شجون، اسفرت في نهاية المطاف وبعد ان قال القضاء كلمته في القضية عن تنحية اكبر مسؤول امني في المحافظة .
بعد مضي تسعة ايام فقط على الحادث اعلن جهاز الاسايش عن القبض على ماوصفه في حينه بالشبكة الارهابية المسؤولة عن تنفيذ العملية الانتحارية، وبعد ذلك بيوم واحد فقط ، عرض صور احد عشر شخصا على شاشات القنوات المحلية والفضائية بشكل علني وباسمائهم الواضحة خلافا لكل القوانين والمواثيق العالمية المتبعة في مثل هذه الحالات والتي تؤكد بان المتهم بريء حتى تثبت ادانته، ومن بينهم منفذ العملية الانتحارية، ووجه رئيس جهاز الاسايش في السليمانية العميد حسن نوري والمدير العام للأسايش في الاقليم حينها اللواء سيف الدين علي احمد تهما جاهزة الى كل واحد من المعتقلين العشرة ، خلال مؤتمر صحافي موسع عقداه في مقر جهاز الاسايش يوم 20 / 3 / 2008 ، من دون ان يخطر ببال جيش من الصحفيين الذين حضروا ذلك المؤتمر المهم ان يسألوا هذين المسؤولين الامنيين عن كيفية التعرف على افراد هذه الخلية المزعومة خلال سبعة ايام مادام منفذ العملية قد انتحر في اثناء تنفيذه للمهمة، كما فاتهم ان يسألوهما كيف استطاعا ان ينتزعا الاعترافات المؤكدة من المعتقلين العشرة خلال 24 ساعة فقط من لحظة اعتقالهم؟؟ .
وبعد ستة اشهر من التحقيقات المستمرة احيلت القضية الى القضاء بعد ان ثبت ان المدعو رياض نوري جاسم هو امير خلية ارهابية مؤلفة من ثلاثة اشخاص فقط بالاضافة اليه، وانه نفذ تلك العملية الارهابية لتحقيق غايات في نفسه الشريرة ، وبغبائه المستحكم تسبب في توريط خالته العجوز (اختر احمد مصطفى) التي رافقته بالصدفة وهي في طريقها الى السوق للتبضع ذات مرة بسيارته الخاصة ، وفي تلك الاثناء حاول رياض تصوير الفندق المراد استهدافه، وهو يستخدم آلة التصوير باحدى يديه ويقود السيارة باليد الاخرى، وقد ظهرت ملامح خالته في الشريط المسجل وهي جالسة الى يمينه، وهو يكذب عليها عندما تسأله عن الغاية من التصوير بقوله: انه يروم ارسال شريط مصور عن معالم السليمانية الى صديق له في السويد، وبسذاجتها المعهودة صدقت اقواله المفبركة، لكن الارهابي الغبي ظل محتفظا بذلك الشريط في جيبه حتى لحظة اعتقاله حيث استغله الاسايش كدليل ضد السيدة العجوز على وصف انها منتمية الى الخلية المذكورة وظل يكيل هذه التهمة لتلك السيدة العجوز وابنها ((ملكو عباس)) الذي لم يبلغ العشرين طوال اشهرالتحقيق والسجن، من دون ان يراعي كرامة هذه السيدة واسرتها وحقوقها المنصوص عليها في القانون العراقي واللائحة العالمية لحقوق الانسان، الامر الذي ادى الى تدمير تلك الاسرة البريئة وهدر كرامتها الانسانية وتشويه سمعة افرادها من دون ذنب او جريرة، علاوة على تكبيدها خسائر مادية جسيمة كاتعاب المحاماة ومبلغ غير قليل من المال كان بحوزة ابن السيدة العجوز ملكو لحظة اعتقاله وغيرها .
وتقول اختر احمد : ((لقد تعرضت لظلم واجحاف كبيرين حيث عرض الاسايش صورتي وصورة ولدي عبر وسائل الاعلام وشهر بنا تشهيرا غير مسبوق من دون تحقيقات اصولية أو التاكد من موقفنا ، ما ادى الى تشويه صورتي وصورة اسرتي في الحي الذي نسكنه ، وحتى بعد ان اظهر القضاء براءتي لم اعد قادرة على التفاعل مع محيطي كما في السابق ، لاسيما وان الاسايش لم يبادر الى الاعتذار من اسرتي عن ذلك الخطأ الكبير الذي ارتكبه بحقنا)) .
وتمضي اختر 51 عاما قائلة: (( كل اولئك الضباط والخبراء العاملين في الاسايش كانوا عاجزين عن التأكد من سلامة موقفي كامراة مسنة لاتجيد سوى الطبخ ورعاية ابنها الاخر المتخلف عقليا، ولاتعرف من السياسة الا اسمها)) .
وتؤكد اختر انها وبرغم جسامة القضية التي اعتقلت بسببها الا انها عوملت معاملة محترمة جدا من قبل افراد الاسايش ولم تسمع منهم كلمة واحدة تجرح كرامتها طوال مدة الاعتقال. وتقول ((احيانا كثيرة يتم اعتقال الابرياء على ذمة قضايا مختلفة ولكن لاتعرض صورهم علانية وبوضوح عبر وسائل الاعلام كما حصل معي ، لذلك اطالب الجهات المعنية في جهاز الاسايش برد اعتباري عبر وسائل الاعلام ايضا كي يعلم كل من اطلع على هذه القضية بانني وابني بريئان واننا تعرضنا لإجحاف منقطع النظير)).
ويقول ملكو عباس الذي هجر بلاده من دون رجعة هربا من الواقع المأساوي الذي صارت اسرته تعاني منه ((ساغادر الى بلد بعيد جدا كي اكون بمنأى عن الظلم والقساوة والاجحاف واللامبالاة بكرامة الانسان ، ولن اعود الى كردستان مادمت حيا، لقد اهانوني بلا ذنب ولاجريرة واساءوا لأسرتي وشوهوا صورتنا امام الناس ولم يعد لنا مكان في هذا المجتمع الذي يجهل معاني حقوق الانسان وكرامته)) .
ويمضي في حديثه قائلا : ((الحديث عن حقوق الانسان والقضاء العادل ومعاملة السجناء وفقا للقانون في سجون كردستان مجرد حديث للاستهلاك المحلي وحسب، فالادعاء باحترام حقوق الانسان شيء والواقع في السجون والدهاليز المظلمة شيء آخر)).
وفي يوم جلسة المحاكمة احضر جهاز الاسايش الى دار العدالة ثمانية متهمين فقط ، ولم تسأل المحكمة الموقرة عن المتهمين التاسع والعاشر، كما ولم تبادر اي وسيلة اعلامية كردية من التي تابعت مجريات الحدث منذ لحظاته الاولى الى تناول مسألة اختفاء اثنين من المعتقلين العشرة الذين عرضت صورهم على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد، وظل الامر طي الكتمان وطواها النسيان حتى هذه اللحظة لأسباب كثيرة ابرزها الجهل بتفاصيل الحادث ومجريات التحقيق والخوف من العقاب الذي يتنظر من يثير مثل هكذا مسائل حساسة .
لكن القضاء في مدينة السليمانية وبرغم الضغوط اللامتناهية عليه من قبل جهاز الاسايش، آثر وللمرة الاولى في تاريخه الا ان ينطق بكلمة الحق وان ينصف المظلومين، حيث حكم بالاعدام على امير الخلية الارهابية وثلاثة من اتباعه الضالعين في تنفيذ العملية الانتحارية بعد الاعتراف بذلك امام المحكمة طواعية، والافراج عن الاربعة الاخرين ومن بينهم السيدة العجوز اختر وابنها ملكو لعدم كفاية الادلة .
لكن المدير العام لجهاز الاسايش اللواء سيف الدين رفض تنفيذ قرار المحكمة الصادر في 20 / 11 / 2008 ، واحتجز المتهمين الاربعة المفرج عنهم من قبل القضاء لأكثر من شهرين، وبرغم تدخل وزارة حقوق الانسان ورئاسة المحكمة في السليمانية ومجلس القضاء العالي في الاقليم الا انه واصل احتجازه للمفرج عنهم خلافا للقانون، في تحد سافر للجهاز القضائي الذي برهن نزاهته المطلقة في هذه القضية. وظل افراد اسر المحتجزين يسجلون شكاواهم لدى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان داخل العراق وخارجه وعلى صفحات الجرائد المحلية والعالمية ولكن من دون جدوى، حتى بادر لفيف من القضاة بعرض القضية على رئيس الجمهورية جلال طالباني الحريص جدا على تكريس حكم القانون وانصاف المظلومين في اثناء عودته للسليمانية ، فأمر باطلاق سراح المحتجزين فورا .
الى هنا انتهت القضية قضائيا ولكنها لم تنته اجتماعيا فاسرة السيدة العجوز اختر احمد مابرحت تعاني من تبعات ذلك الحادث الذي لم تكن طرفا فيه اطلاقا فمنزلها مازال خاضعا للحجز من قبل جهاز الاسايش الذي يرفض ان يعتذر لها عن هدر كرامتها والإساءة الى سمعتها كسيدة مسنة ،عبر عرض صورتها علنا على الفضائيات ، بدعوى ان ذلك الخطأ الكارثي حصل في زمن المدير السابق، ما دفع بابنها ملكو الى الهجرة الى الولايات المتحدة عبر احدى المنظمات الانسانية الدولية ، فيما تستعد العجوز ايضا للهجرة ومغادرة الوطن الذي ولدت وعاشت على ارضه وقدمت الكثير من الخدمات الجليلة لقوات البيشمركة ايام الكفاح المسلح عندما كانت تسكن قرى قراداغ. وهكذا تسبب خطأ امني و اداري من قبل جهاز الاسايش في تدمير وتشتيت شمل اسرة بأكملها، لا ذنب لها سوى الافراط في اخلاصها وولائها للوطن والنظام.