مايو 12، 2009

الفلسطينيون الوافدون، بعد ستراتيجي خطير


سيروان بابه علي
ت: ادهم ميران

اذا اعتقد الانسان ان الشعور الانساني السليم يفرض عليه تدفئة افعى اثناء الصقيع، فلا ينبغي مطلقا فعل ذلك تحت لحافه.
اذا كانت ثمة مسألة تتعلق بالوضع الديموغرافي، وافتراض تعرضها للمخاطر في المستقبل، او وجود ابعاد مجهولة تدخل في خانة الخطر الستراتيجي، ينبغي طرح هذه المسألة على قدر من الأهمية ويجرى لها بحث علمي (سوسيوساسي).
بعد زيارة (محمود عباس) لرئيس الاقليم مسعود بارزاني وشائعة القبول لاستقدام آلاف الفلسطينيين وتوطنيهم في كوردستان، أبرز افتراض خطر ستراتيجي جديد للكورد.
هذه المسألة ليست مطلبا وقتيا لأزمة الفلسطينيين وتحججات انسانية للكورد بأنها أزمة سياسية واقتصادية وعسكرية، فرضت عليهم، وبعد حلها يصار الى تشتيتها بل مسألة تدخل في اطار المشاريع الستراتيجية الضخمة لتأمين المعيشة في عدة قرى من المنطقة لقضية الفلسطينيين المرحلين، والتي ابتليت بها امريكا واسرائيل اوروبا والامم المتحدة وكذلك البلدان العربية، وشغلت بالهم.
في التسعينيات وضع كل من رئيس لبنان ورئيس وزرائها (تيلياس هراوي، ورفيق الحريري) خطة لتوزيع الفلسطينيين على البلدان العربية والغرب (خاصة المانيا وكندا) وبهذه الطريقة ارادت لبنان التخلص من حمل الفلسطينيين الثقيل.
الاردن عارضت هذه الفكرة بشدة، لأنه طبقا للخطة ينبغي ارسال الفلسطينيين الى البلدان التي يعيش فيها الاغلبية من ذوي الفلسطينيين، ومن الواضح ان الاردن هي المرشحة لذلك وكانت ستعطي اكثر التضحيات في هذا الجانب.
في تلك الخطة التي دعمها الغرب، كان من المفترض ارسال فلسطينيي لبنان الى العراق،
ولهذا اشيع في الاعلام ان فرنسا تحاول اقناع الامم المتحدة وامريكا برفع الحصار الاقتصادي عن العراق نظير جمع الفلسلطينيين في العراق. وبدا في ذلك الوقت ان ارادة لبنانية وعراقية تقف وراء هذا الشيء مدعومة بصديقهم الاوربي (فرنسا).
ولكن لازال مبكرا الآن اثبات نية زيارة ابو مازن لرئيس الاقليم ان كانت تدخل ضمن اطار مقدمة لصفقة وخطة كبيرة ام لا، بالرغم مما اشيع في كوردستان قبل عدة سنوات ان هناك محاولة امريكية - اسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في اربيل.
في عام 1948 عام اعلان دولة اسرائيل، توافد اليها قرابة (860) الف يهودي من البلدان العربية، ونزح قرابة (670) الف عربي من فلسطين، وقد أسفرت حرب الايام الستة عام 1967 عن ترحيل قرابة (150) الف فلسطيني، واليوم قرابة 40% من المرحلين يعيش في الاردن، وهذه النسبة تساوي عدة ملايين، واغلبهم حاصلين على الجنسية الاردنية ويؤلفون 60% من العرب الاردنيين.
ان استيطان اولئك في تلك الدول ذات الضائقة السياسية والاقتصادية كلف تلك الدول الكثير، فبالرغم من المساعدات والتعاون التي قدمها الاردن للمرحلين الفلسطينيين، فقد شكلوا دولة داخل دولة، حيث في سنة (1970) حاولت جماعة (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وبدعم من سوريا الانقلاب على الملك حسين، منطلقة من الاراضي الاردنية نفسها.
قامت دبابات منظمة التحرير الفلسطينية قادمة من الاراضي السورية بالهجوم داخل الاردن ونشب على اثرها اقتتال داخلي، ، ومن سوريا هجمت دبابات منظمة التحرير الفلسطينية داخل الاردن، واشتعل فتيل الاقتتال الداخلي، ومات فيها المئات، وقاموا باختطاف ثلاث طائرات مدنية غربية من عمان الى مصر وفجروها داخل تلك الأراضي. فوجه (الملك حسين) اليهم ضربة كاسرة من خلال الجيش ودعم الرعاة من البدو المخلصين للبلاد، ومن هناك ايضا ارتحل عدد من الفلسطينيين في لبنان.
وفي لبنان .. بعد ان شوهدت تجربة الاردن، وكذلك نتيجة لتأوه لبنان تحت حالة الاقتتال الداخلي (1975 -1991) ومن جهة اخرى التأثير السيء لمواقف حركتي فتح وحماس في الداخل الفلسطيني ومخاطر تفجرها، حاولت لبنان انتهاج قانون صارم ضدهم. وهذا ما جعل الفلسطينيين في تلك البلاد ان يمضوا حياة انسانية مأساوية.
قبل عدة سنوات ولتهدئة تذمر الاردنيين الأصلاء قال رئيس وزراء الاردن علي عبدالراغب: "لن نأخذ مرحلا فلسطينيا آخر" وقبل عدة سنوات قدم نواب البادية الاردنيين في البرلمان دعوى ضد ايواء الفلسطنيين وقالوا: "يستلزم الاردن بدلا من ايواء مليوني فلسطيني، ان يطلبوا على امتداد خمسين سنة (40) مليار دولار كتعويض" خاصة حينما قال الملك عبدالله بنفسه: "الاردنيون والفلسطينيون اخوة، ليس هناك فرق بين شركاء الوطن) وفتح الطريق اكثر امام دخول الفلسطينيين، ولم يكن يبدو انها من اجل حب الفلسطينيين ولاسيما ان تكون في الغالب من اجل زوجته الملكة (رانيا) الفلسطينية الاصل، ولكن تبين انها بالدرجة الاولى كانت من اجل وعود امريكا في التنازل عن (7) مليارات من الديون الأردنية.
ويلاحظ اليوم بعضا من مثل هذه المخاطر على الأمن الوطني اللبناني حيث لا يبحثون في الوضع العسير واللاانساني لحياة اولئك المرحلين، فقرابة 400 الف فلسطيني لا ملك لهم، وليست لديهم امكانية شراء ارض، ولا يمنحون اقامة، ولا يمنحون اجازة عمل سوى للاعمال الشاقة وذات المورد القليل. ويوجد 65 نوع اختصاص لا يحق للفلسطينيين العمل فيه. وفي مقدمتهم مجال الحقوق.
بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من بيروت عام 1982، رجع (الراحل رفيق الحريري) كرجل فاحش الغنى من السعودية، ووضع عدة خطط للاعمار، فاندفع المرحلون الفلسطينيون في مخيمات (برج البراجنة ومار الياس وشاتيلا) وعدد من المساكن الاخرى للعمل في تلك المشاريع.. وفي الوقت الذي تم تعويض اللبنانيين المتضررين بمبلغ (5 – 8) الاف دولار، تم تشريد الفلسطينيين، ولم تكن لهم اية تعويضات، وكانوا يتبادلون الخرائب والاماكن المهجورة في بيروت.
والسؤال في هذا المقال ليس عن ماذا فعلته السلطة في اقليم كوردستان لمرحلي الجنوب، والعائدين من الشرق، والمستأجرين من المواطنين، والبنية التحتية للاقتصاد والتربية والصحة، والخدمات والمستلزمات الرئيسية للأمة، لكي تقوم بجلب الفلسطينيين !!
كذلك بعد المواقف الفائتة الأوان للراحل ياسر عرفات للتضامن مع نظام صدام البائد وانتاجات (ملازم حسين) المحلية والخطابات النارية لـ (حماس) لا تشي كونها ضد الكورد.
بل التساؤل الاكثر الحاحا حول المستقبل الكوردي وعشرات القضايا المجمدة... ابعاد المخاطر لتوطين كل قبيلة وعشيرة ومجتمع عربي في وسط كبد كوردستان، والأكثر تساؤلا وذهولا من جميع الحالات والكوارث الماضية، ذلك المشروع لن يقف عند اقليم كوردستان، بل سيعمل تدريجيا ومن داخل احشائه على اضمحلاله.
في الايام اللاحقة وباستيطان الفلسطينيين في كوردستان، سيواجه الكورد خطرين؛ سياسي واجتماعي متداخلين.. الأول يكمن في خطر المواجهة المباشرة باحساس العروبية، والآخر خطر التعايش مع مجتمع بعرق متباين، يتوالد مثل الديكة.
قط لا يحمل هندي من مدينة (مومباي) الهندية ضغينة على الباكستانيين بقدر ما يحمله هندي آخر من اقليم كشمير المتنازعة، ولا يحمل قط ألباني من مدينة (تيرانا) الالبانية ضغينة على الصربيين بقدر ما يحمله ألباني آخر من اقليم (كوسوفو).. هذه الظاهرة الاجتماعية السياسية تصيب اغلب القوميات والاثنيات المتعايشة ومتنازعي المناطق المليئة بالأزمات في العالم، ولكن العجيب (مثلما اثبتت الاحداث بعد ازاحة نظام البعث في العراق) ان افضل صديق وشريك لهموم الكورد هم العرق العربي داخل المجتمع العراقي نفسه.
وعلى النقيض من ذلك، فإن اغلب العرب المعادين للقضية الكوردية والمعارضين لتجربته، هم من داخل الجغرافيات العربية ومن خارج كيان الدولة العراقية!
عجيب ذلك الشعور الاجتماعي السياسي، فاذا كان جانب المزمجرين في العراق، مرتبط بالنضال الشرعي والموقف الكوردي المسالم حيال القوميات المختارة، فجانب الزمجرة للعالم العربي، يتجه نحو شعور العروبية، بالضبط شعور كهذا ان يشعر تركي من مدينة (اسطنبول) التركية بحقد اكبر بكثير على البلغاريين من حقد تركي عليهم من مدينة (راسكراد) البلغارية المتعددة الاعراق.
لا شك في شرعية النضال التحرري للشعب الفلسطيني، والكورد على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين لم يتوان ولم يقصر في مساندة ومدح ذلك النضال، ولكن من الواضح ان الغالبية العظمى من ضرر الشعب الفلسطيني والخسائر العربية المستمرة منذ عصر الناصريين والى الآن، هو من جراء التفاخر والعصبية في الشعور العروبي، الذي لم يكن على استعداد لأي نوع من الانسجام لاعطاء الحق للآخر.
حتى منذ العام 1947، بمعنى عدة عقود قبل كل كارثة وسفك دم باسم الحرية، قبل اعلان دولة اسرائيل، قامت الامم المتحدة بطلب من بريطانيا بتأسيس (اللجنة الخاصة للامم المتحدة للفلسطينيين UNSCOP)، والتي اشارت الى موعد انتهاء وصاية بريطانيا في عام 1948: " نقترح تأسيس دولتين للعرب واليهود، وكذلك نقترح تأسيس فدرالية بأقليمين" وقد عارضت البلدان العربية كلا الاقتراحين.
الغريب ان مرشديهم وخطبائهم القوميين الدينيين لا زالوا بنفس المشاعر يوجهون مجتمعاتهم.. احدهم (محمود عباس) احد القادة الفسلطينيين، قبل عدة سنوات اعترف بتلك الحقيقة وقال: " هجمت الجيوش العربية داخل فلسطين لينقذوا الفلسطينيين من اضطهاد الصهيونية، وبدلا من نصيحتهم، اجبروهم على خروجهم من بلدهم، واجبروهم على شل سياستهم وآيديولوجيتهم. فاضطروا الى ايقاف وحجز الفلسطينيين كما حدث ليهود شرق اوربا في "الكيتوهات".
كوردستان ليست مضيفا ومرتعا لأحد، لكي يلعب بترابها وثروتها ومستقبل اجيالها على هواه.
اذا كان الفلسطينيون في قلب ربع مليون عربي ساميون مثلهم، بين قرابة احدى وعشرين دولة صاحبة زعامة، وفي حضن الجامعة العربية باثنين وعشرين عضوا، وعلى ارض عدد من الدول صاحبة الملايين من الدولارات، فضجروا منهم وطردوهم، فكيف بالكورد التي هي (اسرائيل اخرى) ليسوا مختلفين عنهم فقط، بل ويعادونهم، كي يجلبونهم الى وسط وقلب ارضهم.
هذا الموقف التي تتخذه سلطة الاقليم باسم (كرم الضيافة) تدخل في خانة (الانتحار البطيء)، وينبغي جمع التواقيع بالضد من ذلك ومنعها ان تكلل بالنجاح.
هاولاتي