مارس 02، 2009
أي مجتمع بناه أكراد العراق
حين يتجول المرء في شوارع المدن الكردية ويلتقي الناس ويستفسر عن أحوالهم يتلقى إجابات تصب في معظمها على نقد الواقع القائم والامتعاض من سلوك المسؤولين الذي لايأبهون لأوضاع العامة بل يسخرون جهودهم لتعزيز قبضتهم في الحكم.
لقد نشأت دولة شبه مستقلة غير أن ممارسات هذه الدولة تنهض على القيم العائلية والعشائرية. ويرى الناس أن قضايا من قبيل الإنماء والتنمية والتطوير لا تتجاوز تطوير وزيادة الثروة الشخصية للحاكمين.
وحين يكون المواطن العادي محروماً من حقوقه الإقتصادية والاجتماعية فإنه لايستطيع أن يملك حرية حقيقية تؤهله لممارسة دوره السياسي والمشاركة في صنع القرار وصوغ وجه الحياة العامة.
وتتم التعيينات في الدوائر الحكومية بتزكية من أحد الحزبين. وعادة ما يتم فرض الموظفين على الأسس الشخصية والقبلية. وقد تشكلت حلقة ضيقة من أبناء المسؤولين ممن يحتكرون الفرص الذهبية للتجارة والبناء وبيع عقود العمل للشركات الأجنبية.
في مدينة السليمانية ثاني اكبر مدن كردستان العراق ومعقل الاتحاد الوطني الكردستاني ، يقول السكان إنهم لا يحصلون على المياه الجارية إلا لأربع ساعات كل ثلاثة أيام، أما التيار الكهربائي، فلا يصلهم إلا لثلاث ساعات في اليوم. وقد أدت المياه الملوثة الى تفشي وباء الكوليرا. تقول إمرأة فقدت ولدها الذي توفي بالكوليرا: "لقد طلبنا من الحكومة مرارا أن تساعدنا ولكن دون جدوى. فهم يعدون ولا يفعلون شيئا."
ويقول مقاتل سابق في صفوف البيشمركة: "أرى بعض المسؤولين الحاليين الذين كانوا منذ عشرين سنة خلت يقاتلون معنا في الجبال. كانوا حينئذ وطنيين مثاليين. اما الآن، فهم يستقلون سيارات اللاند كروزر ذات النوافذ الغامقة ولديهم الكثير من الحرس. إنهم يرون كيف يعيش المواطن العادي، ولكنهم لا يخجلون."
ويراقب الناس ظاهرة الثروة الفلكية التي نزلت على المنطقة الكردية واستقرت في أيدي فئة محدودة. لم تستخدم الثروة لإزالة آثار التخلف والفقر التي مورست بحق الكرد سنوات طويلة. ويفضل أعضاء الحزبين الحاكمين المكاسب السريعة بدلاً من التخطيط لمستقبل بعيد يؤخذ فيه الصالح العام في الحسبان. ويشير العديد من الناس إلى أن الإقليم صار أشبه بمزرعة خاصة للمسؤولين وأقرباءهم وعائلاتهم والمقربين منهم. لقد انبثقت طبقة من الأثرياء الجدد من الزعماء الحزبيين وقادة البيشمركة السابقين مثل ما جرى في البلدان الاشتراكية السابقة حيث تحول الأعضاء الكبار في الأحزاب الشيوعية إلى رجال أعمال أثرياء.
ويبدو أن ما يحدد بوصلة السياسة ليس شؤون الناس بل مصلحة الفاعلين المتنفذين في الحزبين. وليس للمواطن الكردي العادي أي دور في ما يجري من تقلبات في التشكيلات الحكومية والاتجاهات السياسية والمواقف المتخذة. وتقوم الأحزاب المسيطرة بالترويج لمقولة أنها تؤدي رسالة قومية مقدسة وأن الأعداء بالمرصاد. ويتم إضفاء نوع من الصبغة اللاهوتية على وظيفة الحكومة ودورالقادة. وتجري عملية إعادة إنتاج الثقافة السياسية البعثية ولكن برداء كردي. وفي كل خلايا الجسم الاجتماعي، من التربية والتعليم وصولاً إلى الإعلام والخطاب السياسي، هناك ميل إلى تأليه الزعامة ويتحدث الناس عن النمو المشوه للدولة حيث يتضخم الحزب على حساب الحكومة وتترسخ أساليب سوء الإدارة والرشوة والمحسوبية ومحاباة الأقارب. لقد تداخل الحزب والعائلة والعشيرة بحيث بات من الصعب التعرف على الملامح الحقيقية للكيان السياسي في الإقليم. وفي وقت تعيش فيه غالبية كبيرة من الناس تحت خط الفقر فإن المسؤولين الحزبيين يستقدمون خادمات من الفليليبين وسيريلانكا. لقد انتشرالاثراء الفاحش على يد المسؤلين والعائلات المقربة من السلطة السياسية في حين يحرم المواطن العادي من حقوقه.
ويشعر الكثير من الأكراد بالعجز إزاء الواقع الذي يجدون أنفسهم فيه. فهم لايستطيعون القيام بأي شيء لتغيير السائد. فليست هناك محاسبة، حتى حين تتخذ الحكومة قرارات متعجرفة مثل توفير الكهرباء على مدار أربع و عشرين ساعة لإنارة مقبرة إبراهيم أحمد – والد زوجة جلال الطالباني – فيما تقطع الكهرباء عن المواطنين العاديين كل الوقت تقريباً. وتسعى السلطات الحاكمة إلى التحكم بمفاتيح الرقابة من خلال احتكار وسائل التعبير بحيث يتحول المجتمع إلى نطاق حصري لسريان الرأي الرسمي وحسب.