مارس 07، 2009

ما بعد الاستبداد


رستم محمود

ينتمي إقليم كردستان العراق كحالة سياسية وككيان صاعد، إلى الكيانات التي يمكن أن تسمى كيانات ما بعد الاستبداد. وهي بحالها تلك تكون، أو بالأصح يجب أن تكون السلطة فيها أكثر تباينا مع النظام الذي قامت على أنقاضه. كمثال شبيه للحالة التباينية بين سلطة حديثة وأخرى منقرضة، نذكر الدول العربية، المشرقية والمغربية وبدرجات متفاوتة. فهذه الكيانات كانت منتجات مرحلة ما بعد الكولونيالية، أي أنها بنت نفسها كأشكال سياسية نقيض للحالة الاستعمارية، وبذلك كان خطابها الدولاتي في كل مجالاته ( في السياسة والتربية والإعلام .. ) مناقضا للشكل الاستعماري. وبذا فقد كان حمالها السياسي – أو الحجة الجديدة التي يقدمها الحاكم للمحكوم ليدربه على مكانيزم الخضوع، حسب تعبير ميشيل فوكو- يُهندس على مفاهيم الوطن والتحرر والولاء للأرض، كونها مناقضة للحالة السياسية السابقة، الاستعمار.
لكن الإقليم الكردي الذي خضع خلال فترة طويلة لنير السيطرة الاستبدادية لا الاستعمارية. حيث كانت الأحزاب الكردية العراقية، طوال تاريخها النضالي، ترفع شعار: "أن المشكلة الكردية في العراق ليست مشكلة شعب محتل، أو مشكلة شعب كردي مع آخر عربي، بل أن المشكلة تنحصر في سلطة قمعية باطشة تمارس الاستبداد بشعب العراق عربا وكردا . والخلاص يكمن في القضاء على تلك العلة الاستبدادية". ونتيجة للمقدمة، تلك كانت "صرخاتها" السياسية تتأسس على مفاهيم الحرية والرأي الحر والمجتمع الحيوي ... ولأجل تلك الشعارات سالت دماء زكية، قال عنها مسعود البارزاني يوما: أنها لكثرتها تكفي لتحرير أربعين شعبا .. .
حصل في تجارب شتى أن انقلبت المقاومات على الدولة التي كانت تريد أن تبنيها، فالدولة باعتبارها دولة أولا، تتناقض مع رغبة المقاوم في أخذ جزاء مقاومته، المادي أحيانا والمعنوي أحيانا، لذا كان الانقلاب – انقلاب المقاوم على دولته – شكلا من أشكال حل ذلك التناقض، بين الدولة ومقاوميها السابقين. لكن حالة كردستان العراق تبدو أكثر فجاجة. فالحزبان الكرديان هناك (السلطة) يبدوان غارقين في المشروع الأميركي الذي يتبنى دمقرطة الدولة، ولا يتوقفان لحظة في نقد السلوكيات الاستبدادية للدولة المحيطة بحق شعوبها، ويعرضان تجربتهما كحل لمجمل العراق، ولا يتحفظان في نشر تلك التجربة على عموم الشرق الأوسط! . بينما ينجرفان كسلطة تسعى إلى تعزيز سلطتها بالثروة، وكدولة مصبوغة بأحزاب فحسب، وكمدنية مطعمة بروح العائلات والعشائر.