فبراير 15، 2009

كردستان الديمقراطية ؟

نزار آغري

لماذا حكم على كردستان أن تخضع دوماً لسلطات لاتتيح للمجتمع أن يتمتع بالحريات؟
ثمة طغمة تدير شؤون السلطة تحت عنوان رسالة مطلقة. قوة العنف تجتمع مع سلطة المال وتستقر عند مجموعة صغيرة من الرجال ممن انتزعوا الحق في الحكم من وراء ظهر المجتمع المدني.
العائلات الحاكمة استندت إلى القوة والمال: السوط ومحفظة النقود. وجرى الاستناد, في كل مرة, إلى عنوان جامع بغية ربط الناس بمربط واحد. إلى هذا كانت صورة الدولة تتهيأ على شكل عائلة واحدة متراصة. على رأس الهرم هناك أبو الأمة ثم يأتي عامة الناس الذين يُرسمون في هيئة الأبناء والأقارب.
ورغم انتشار مظاهر الحداثة في كردستان فإن هناك حدود صارمة لكل شيء: للحرية الفردية وحق التعبير والصحافة والأحزاب والجمعيات. هناك من يمسك بخناق المجتمع ويمنعه من المشي بخطوات صحيحة. إن وظيفة الطغمة هي, على الدوام, كبح جماح المجتمع وإبقاؤه مقيداً بالمربط. في وسع الصحافة أن تنتشر وفي وسع الأحزاب أن تتشكل وفي وسع الناس أن يتظاهروا. لكن كل ذلك يتم ضمن دائرة مرسومة بالخط الأحمر. لا يملك أحد الخيار في أن يتجاوز ذلك الخط, وليس متاحاً لأحد ممارسة الرقابة على الحكومة والمسؤولين فيها. الحكومة تعد مثل قوة قدرية تقف فوق الناس وتراقبهم من فوق. تدوّن كل شيء وتلاحق كل صغيرة وكبيرة.
المشكلة المحيّرة التي تعترض سبيل المجتمع الكردستاني لا تكمن في غياب الديموقراطية والحيلولة دون ترسخها وحسب, بل تكمن, أساساً, في التحايل عليها وتزويرها وتحويلها إلى مسخ مشوه يثير الحيرة والبلبلة والشك.
يتهيأ الفضاء لقيام الجماعات والتيارات والأحزاب والتنظيمات والصحافة. تتشكل هذه وتتعدد وتتكاثر وتتنوع حتى يبدو كأن ثمة جنة فسيحة من التعددية والمكاشفة. غير أن العقبات التي تقف في الطريق من الضخامة بحيث تجعل هذه الأدوات هياكل فارغة لا قيمة لها. ما يتحقق في نهاية الأمر نوع من إخصاء شامل. يبدو الجميع أحراراً في أن يقولوا كل شيء ولكن من دون أن يفتحوا أفواههم.
هناك فيتو غامض ينتظر القرارات. وثمة حصار سري يلف كل شيء. لا ينهض داخل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي فصل للحدود, بحيث ينهض الكادر المقتدر الناجح وتبرز بيروقراطية محترفة تفصل في شؤون الإدارة. إن يد السلطة تمتد إلى كل ركن وتضع فيه زراً صغيراً تتحكم فيه وعبره تنتقل إلى الطغمة الخفية تفاصيل المجريات. ثمة شعور طاغ لدى كل فرد بأنه مراقب. هو ووظيفته ومرتبه وحياته تحت التهديد. نتيجة ذلك يسود الميل إلى التسابق في الانتفاع والنفاق والخداع. يلجأ الناس إلى الحيلة للاستمرار في العيش. يضطرون إلى الظهور بالمظهر الذي ترضى عنه الطغمة. يتفوهون بالأشياء التي تعجبها. يلبسون كما تشتهي نفسها لا نفوسهم. يأكلون ويشربون ما يبعد عنهم الشبهة. والنتيجة: مجتمع "ديموقراطي" ومنفتح في مظهره لكنه منغلق ومطلق وخانق في حقيقته. تتعمق هذه الازدواجية في نواحي المجتمع. من المدرسة والبيت والمصنع وصولاً إلى الدوائر الرسمية وثكنات الجيش والوزارات حتى قمة الهرم.
في مجتمع كهذا يتعرض المواطن إلى ضغط روحي ونفسي جنباُ إلى جنب الضغوط الجسدية المباشرة. تتخلخل الشخصية. يصاب المرء بالفصام وبأنواع من العصاب والبارانويا.
ما هو سر بقاء المجتمع الكردستاني ، أسير الاستبداد و ما الذي يجعل الناس أسرى أوضاع بائسة من الحرمان في كل شيء: من الحرية والأمن والرخاء والعيش السليم. يمكن أن نعثر على الجواب في فكرة الفرد الحر في مقابل سطوة الطغمة الحاكمة. الدولة قوة فوق المجتمع لا تتصرف كمؤسسة من صلب المجتمع تديره وتنظّم شؤونه بل هي تشكيلةً أبوية تتحكم بكل شيء بما في ذلك حياة البشر وأرزاقهم.