فبراير 27، 2009
الصحافة المستقلة في كردستان
نزار آغري
ينشر الحزبان الكرديان الرئيسان، الحزب الديموقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، الصحيفتين اليوميتين الوحيدتين في إقليم كردستان العراق، ويديران إذاعات وقنوات تلفزيونية أرضية وفضائية تصل إلى الأكراد في العراق وخارجه. وتبقى تلك المنافذ تعبيرات حزبية في المقام الأول: أي شيء يطبع أو يذاع يراجع بعناية للتأكد من الالتزام بمصالح الحزب. إن الغاية من الإعلام هي الدعاية القومية والترويج لسياسة الحزبين.
نتيجة لهذا الواقع يواجه الصحافيون المستقلون في إقليم كردستان ظروفاً صعبة حين ينشرون تقارير تنتقد الأحوال في الإقليم. ويشدد المسؤولون الحكوميون الأكراد على ضرورة أن يتحلى الصحافيون بالروح القومية وأن يوجهوا سهام نقدهم إلى «الأعداء».
وأصدرت نقابة صحافيي كردستان، التي تخضع للحزب الديموقراطي الكردستاني، تقريرها السنوي وحملت بحدة على «بعض المنظمات الأجنبية التي تعرف ظاهرياً بأنها تدافع عن حرية الصحافة، لكن خطوط عملها العامة وتقاريرها تظهر عدم إطلاع تام على وقائع الأمور». وأكدت النقابة أن أغراضاً سياسية تقف وراء هذه المنظمات.
هناك شك في وجود مناخ يشجع على نشر ثقافة حرية التعبير في كردستان. فالإعلام يدار من الحزبين ومؤسساتيهما وشركاتيهما المسيطرة على المال والأعمال والسياسة. وقد نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أخيراً، تقريراً مفصلاً عن كيف أن الحزبين يسيطران على المنطقة ويوفران معاملة تفضيلية لأعضائهما وحلفائهما.
وحاول عدد من الصحافيين الأكراد المستقلين الكتابة عن الأوضاع المتردية وتحليل أسباب سوء الخدمات أو انعدامها فكانت النتيجة تعرضهم للاعتقال لدى قوات الأمن الكردية (الأسايش) والإحالة على المحاكم وإصدار الأحكام بالسجن بحقهم.
ودفع تدهور أحوال الصحافيين لجنة حماية الصحافيين الدولية إلى إصدار تقرير خاص وثقت فيه حوادث الإعتداء والاضطهاد والإعتقال التي تعرض لها الصحافيون المستقلون.
جرى اختطاف الصحافي ناصر عبدالرحيم رشيد بعد أن كتب عن النظام السياسي الكردي وممارسات المسؤولين السياسيين داعياً إلى محاكمة بيشمركة سابقين لفسادهم. وبينما كان رشيد يمشي في السوق في مدينة حلبجة أجبره أربعة رجال مسلحين يرتدون الزي العسكري على ركوب سيارة شحن كانت في الانتظار وقاموا بتكبيل يديه ورجليه ووضعوا كيساً على رأسه. ثم قام الأربعة بإخراجه من السيارة، بعد ساعات، وسددوا له الركلات وهددوه بالسلاح لحمله على التوقف عن العمل وإلا سيواجه الموت.
كما تعرض الصحافي نبز غوران للاختطاف والاعتداء بطريقة مماثلة لأنه كتب مقالاً استهزأ فيه من مواكب السيارات الرسمية الطويلة لرئيس الإقليم.
وأعرب المصور التلفزيوني أزو جمال مختار عن اعتقاده بأن الحكومة الكردية دبرت الانتقام منه حين استهدفه مهاجمون في السليمانية بعد ان كتب عن التظاهرات في مدينة حلبجة. واعتقلت قوات الأمن (الأسايش) الصحافي أحمد ميرا بتهمة تعكير صفو الأمن القومي بعد أن نشر تقريراً يتناول الوضع الصحي لجلال الطالباني والصراع على السلطة الذي يمكن أن يحدث ضمن صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني في سياق خلافته.
وجرى اعتقال الصحافية مستورة محمود البالغة من العمر 25 سنة بعد أن كتبت تقريراً في ذكرى الهجوم بالغازات السامة على مدينة حلبجة عن التظاهرات ضد السلطة المحلية وذكرت أن رجال الأمن في المدينة يتصرفون بالطريقة التي كان يتصرف بها أعضاء حزب البعث بقيادة صدام حسين، فاستدعتها اجهزة أمن حلبجة وقبضت عليها ثم أفرجت عنها بكفالة لحين تقديمها الى المحاكمة.
واعتقلت قوات الأسايش الكاتب جوني خوشابا ثم أطلقته بعد أن وقع تعهداً بعدم الإساءة لحكومة الإقليم ورجالاتها. وحكم على اثنين من الصحافيين بالسجن مدة ستة أشهر ودفع غرامة لنشرهما مقالاً جاء فيه أن عمر فتاح، نائب رئيس الحكومة الكردية الإقليمية، أمر بطرد موظفين يعملان في شركة الهاتف بعد أن قطعا خط الهاتف الخاص به بسبب امتناعه عن دفع الفاتورة.
وحكمت محكمة جنح أربيل بإقليم كردستان على الصحافي شيرزاد شيخاني بالسجن مدة شهر بتهمة القذف والتشهير. وكان محافظ أربيل أقام دعوى ضد الصحافي لكتابته مقالاً ينتقد إرسال المحافظ مفرزة مسلحة من طاقم حمايته الشخصية لإغلاق دائرة أموال القاصرين في أربيل والتي تتبع وزارة العدل في إقليم كردستان. وفي كركوك أعلن الصحافيان نهاد جامي وكوسرت عبدالرحمن أنهما تعرضا للتهديد بالقتل.
وتعتبر طريقة الترويع واحدة من طرق عدة يمارسها رجال الحزبين بحق الذين يتطرقون إلى ممارسات المسؤولين الحزبيين.
وقام هالو ابراهيم أحمد، أحد مسؤولي حزب الاتحاد الوطني، بكتابة رسالة إلى الصحافي نبز غوران مهدداً إياه: «سأقتلك يا غوران حتى لو بقي يوم واحد من عمري»، لأن غوران كتب مقالاً قال فيه أن قبر إبراهيم أحمد، والد زوجة الطالباني، لا تنقطع عنه الكهرباء على مدار اليوم في وقت يعاني فيه الناس من شبه انعدام الكهرباء.
ولإضفاء الصبغة القانونية على إرهاب السلطة، دفع برلمان حكومة الإقليم، خلال السنة الماضية، باتجاه وضع تشريعات تتضمن عقوبات شديدة من بينها غرامات كبيرة على الصحف المستقلة وتسمح للحكومة بإغلاقها بحجج واهية من قبيل تعكير صفو الأمن أو بث الخوف أو تشجيع الإرهاب أو الإساءة للسمعة.
على رغم كل ما يقال عن حرية الرأي في كردستان العراق فإن الواقع يظهر أن الطريق ما زال طويلاً للتخلص من تركة الاستبداد والكبت والإقصاء.