أكتوبر 01، 2009
ركبة) جلال طالباني ام (رقبة) نوري المالكي
اعلنت الرئاسة العراقية ان الفحوصات التي اجراها الرئيس العراقي جلال طالباني في مستشفى (مايوكلينيك) بالولايات المتحدة الاميركية ناجحة جدا وايجابية. وبينما كان مقررا اجراء عملية جراحية لـ (الركبة اليسرى) للرئيس طالباني والتي تم تاجيلها لاكثر من مرة بسبب مشاغله وهو ما اضطره ان يسير على عكاز فان تقرير الاطباء اكد انه لم تعد هناك حاجة لاجراء هذه العملية, وان الرئيس الذي يحب ان يناديه الاكراد بلقبه الاثير (مام جلال) وتعني باللغة الكردية (العم) قد بدا يستجيب للعلاج الطبيعي.في هذه الاثناء وبالتزامن مع هذه التطورات من الولايات المتحدة الاميركية على صعيد صحة الرئيس فان رئيس الوزراء نوري المالكي قرر بشكل لارجعة فيه الاعلان عن كتلته التي سيخوض بموجبها الانتخابات البرلمانية القادمة اوائل العام المقبل واسمها (ائتلاف دولة القانون) يوم الخميس.وياتي هذا الاعلان ليحسم جدلا طويلا بشان امكانية انضمام ائتلاف القانون الى الائتلاف الوطني الذي تم الاعلان عنه خلال شهر اب الماضي من المجلس الاعلى والصدريين وتيار الاصلاح الوطني بزعامة ابراهيم الجعفري فضلا عن كتل وتيارات اقل اهمية وشخصيات لاتزال باحثة عن الاضواء برغم خساراتها المتكررة في كل الانتخابات الماضية مثل الدكتور احمد الجلبي.الصلة بين الاعلان عن تحسن صحة الرئيس طالباني وزوال الشكوك حول (ركبته اليسرى) التي كانت احد محاور الجدل بشان احقية الرئيس في ولاية رئاسية جديدة, وبين اعلان المالكي ائتلافه منفردا من دون الدخول في ائتلاف (شيعي) واحد وهو ماتريده اطراف واوساط عديدة وكثيرة وفي المقدمة منها ايران تتعلق ـ هذه الصلة ـ بموقعي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء, وكلاهما باتا مثار جدل وخلاف كبير في العراق. طالباني الذي كان مريضا لم يعد كذلك بالنسبة للاطباء في اميركا. وعلى طريقة الشاعر (تعجبين من سقمي صحتي هي العجب) فانه وبموجب هذه التطورات فان صحة طالباني لامرضه باتت هي العجب في عراق اليوم الذي بات كل شيء فيه يقاس بجملة قياسات تنتهي بالركبة وبربطة العنق والولاءات الداخلية والخارجية والانتماءات والاجندات.اما المالكي فامره مختلف تماما على هذا الصعيد.فهو ليس في سن طالباني (يزحف نحو الثمانين), بل هو (المالكي) مازال في اوائل الستينات من عمره. وباستثناء مشاكل قد لاتبدو خطيرة في القلب فان المالكي في صحة جيدة. لكن مشكلة الرجلين لم تعد صحتهما او مرضهما. بل باتت مشكلة ربما اعقد من ذلك بكثير. فهي مشكلة الاستحقاقات الداخلية والملابسات الخارجية التي كانت وربما ستبقى تؤثر في مجرى الاحداث في العراق.من الواضح وفي سياق الجدل السياسي والبرلماني شبه الصامت حينا وشبه المعلن حينا اخر ان المنصبين الاهم في العراق وهما منصب رئيس الجمهورية ومنصب رئيس الوزراء لم يصبحا بعد استحقاقا عراقيا كاملا برغم احاديث وتصريحات السياسيين واعضاء البرلمان في العراق عما يسمى بالاستحقاق الانتخابي.وايا كانت المسائل المرتبطة بهذا الاستحقاق فان الانتخابات البرلمانية المقبلة يمكن ان تغير ليس الخريطة السياسية ليس بدفع كتل الى الواجهة او اقصاء اخرى, او صعود قوى وتيارات جديدة على حساب ماكان موجودا طوال السنوات الماضية, بل هو مرشح لاحداث تغيير في بنية المناصب والاستحقاقات المرتبطة بها. من هنا يبدو الجدل حول منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكانه مرتبط بشخص طالباني والمالكي.لكن ماينبغي الخوض فيه بعمق هو ان العملية لاتتصل بشخصيهما كرجلي سياسة بقدر ماتتصل بانتمائهما العرقي (بالنسبة لطالباني بوصفه كرديا) والمذهبي(بالنسبة للمالكي بوصفه شيعيا).والتحول المرتبط بكل من الموقعين يبدو معقدا ايضا لجهة انه في الوقت الذي يبدوفيه موقع رئيس الوزراء محسوما للعرب الشيعة بوصفهم اغلبية وبموجب النظام المعمول به في العراق كنظام برلماني فان السلطة التنفيذية تحوز عليها الاغلبية النيابية.نقول ان الامر اذا كان هكذا على مستوى منصب رئيس الوزراء وهو المنصب الاهم بوصفه الموقع التنفيذي الاول في الدولة, فان موقع رئيس الجمهورية ليس محسوما للاكراد للدورة الانتخابية القادمة. فهناك جدل بشان احقية العرب السنة بهذا الموقع من منطلق ان الاغلبية السكانية في العراق هي عربية سواء كانت شيعية ام سنية كما ان العراق ينتمي جغرافيا الى محيط عربي واسع برغم كونه يضم قوميات مثل الاكراد واقليات مثل التركمان واديان مثل الكلدواشوريين والصابئة والازيديين.الاشكالية الكبرى في كلا الموقعين ان نوري المالكي الشيعي يبدو باعلانه ائتلاف جديد غير الائتلاف الشيعي الام يبدو وكانه يشق عصا الطاعة لايران التي لاتؤيد (شرذمة الشيعة) في ظل مايعرف بالمؤامرات الخارجية ضدهم. ولذلك تبدو حركة المالكي التي قد تكلفه (رقبته) اذا ما اصر على التحدي وكان قد اعلن مؤخرا عن وجود مؤامرات ضده من قبل الشركاء من اجل الفوز بمنصب رئاسة الوزراء للمدة المقبلة وكانها مجازفة لاتخلو من خطورة ربما غير محسوبة.اما طالباني الذي ترى اوساط كثيرة ان امراضه الكثيرة ومنها (ركبته اليسرى) التي قد تقوده الى العجز, فضلا عن تقدمه في السن تحول دون ترشحه ثانية, فضلا عن ان منصب الرئاسة يجب ان يكون محسوما للعرب السنة باية حال من الاحوال. لكن اعلان المالكي عن ائتلافه يعني عدم خشيته على رقبته, واعلان الاطباء عن تحسن صحة طالباني تعني ان (ركبته) لم تعد عقبة امام توليه الرئاسة للاربع سنوات المقبلة.