سبتمبر 13، 2009
تشجيع اليهود بالهجرة إلى كردستان
في الثاني عشر من آب الماضي، أعلن راديو هولندا الدولي أن مجلة (إسرائيل- كرد) الجديدة، فاجأت العالم العربي، بمقال يدعو إلى تشجيع اليهود بالهجرة إلى كردستان. وكانت مراسلة شبكة أكسس أوف لوجيك أو (محور المنطق) الكاتبة والمحللة السياسية المصرية شريفة سرّي، قد كتبت تقريراً قالت فيه: ((لماذا تعمد المجلة الجديدة (إسرائيل- كرد) إلى خلق جسور بين إسرائيل وكردستان من خلال الترويج إلى هجرة إسرائيلية إلى العراق، وهو ما كان واضحاً تماماً في مقاصد المقال. وتقول الكاتبة: الغريب تماماً كمية الأموال التي أنفقتها الدولة اليهودية في جذب اليهود، وتشجيعهم بالهجرة إليها. إن الحقيقة هي أن الديموغرافيا هي من أعداء دولة إسرائيل الأكثر سوءاً. إذن فما الهدف الذي ترمي إليه المجلة الجديدة بدعواها تلك؟. لقد أثارت شريفة سرّي – كما تقول ليز بلوغ المحللة السياسية في شبكة أكسس أوف لوجيك- كثير من الأسئلة. وربما تكون الشروط أدناه قادرة على توفير السياق الذي يسمح بفهم هذه (الاندفاعة) لبناء جسور علاقة (إسرائيلية- كردية):
أولاً: إن هدف الحرب الأميركية-الإسرائيلية، تفكيك العراق، وإعادة رسم خريطته بتحويله الى ثلاثة كيانات، تعطي من خلالها الأكراد (حكماً مستقلاً) مسيطراً عليه من قبل الأميركان في شمالي العراق.
ثانياً: هجمات الأكراد عبر الحدود من شمالي العراق نحو جنوب تركيا، والقصف الجوي التركي ضد قواعد PKK داخل مناطق شمالي العراق القصية.
ثالثاً: دفع تركيا الى فتح الأبواب نحو التجارة في شمالي العراق، وتردّد الأكراد في عمل ذلك.
وتقول المحللة السياسية: يمكن أن نكون متأكدين أن الأهداف المحددة للولايات المتحدة ولإسرائيل التي تحدثت عنها المجلة الجديدة، هي هجرة اليهود إلى شمالي العراق، ووضع ذلك تحت ذريعة العلاقات القوية بين إسرائيل والكرد. وكما تقول المحللة السياسية المصرية شريفة سرّي، فإن هناك أسباباً للشك في ذريعتهم لإرسال يهود إسرائيل أو (عودتهم) الى كردستان. إن الحجة التي ذكرها مقال المجلة، هي أن هذا التحرك يعني حماية إسرائيل من تحريض العرب للأكراد للوقوف ضد إسرائيل، إضافة الى أن إسرائيل تستجدي المصداقية.
وأوضحت ليز بلوغ أن التفسيرات الأكثر احتمالاً، لعملية إرسال القليل من يهود إسرائيل الى شمالي العراق تنطوي على أهداف عسكرية ومالية. فكيف؟. إن خطة الهجرة هذه تسمح لإسرائيل بخلق غطاء لـ (عمليات الموساد السرية في شمالي العراق، وفي النهاية الإعلان عن حضور عسكري إسرائيلي في المنطقة). وفي الحقيقة إن الإسرائيليين يريدون السيطرة على النفط في شمالي العراق، وللتموضع في المنطقة من أجل الترويج لنشاطات اقتصادية إسرائيلية. وهذا (النشاط) يتضمن أحد أكثر صادراتهم المربحة، أي (تجارة السلاح)!.
وترى المحللة أن الحكومة التركية كانت دائماً (غير مبدئية) في اختيارها لشركائها التجاريين، مدفوعة بمطامع النخبة الحاكمة. ووصفت أنقرة بأنها (العاهرة) التي تتاجر مع إسرائيل منذ أن وقعت معها اتفاقية تجارية سنة 2000، وبين 2002 و2008 ارتفع حكم تجارتها مع إسرائيل من 1.4 مليار دولار إلى 3.3 مليار، بزيادة بلغت سنة 2008 نحو 36 بالمائة. إن التجارة الإسرائيلية-التركية انطلقت من صفقة لقيام إسرائيل بتحديث الدبابات M-60 بمبلغ 668 مليون دولار، و300 طائرة هليكوبتر بمبلغ 57 مليون دولار. والعقود الثلاثة الأخرى لتحديث طائرات حربية تركية، ربحت منها إسرائيل 850 مليون دولار.
وأوضحت ليز بلوغ أن المشكلة هي أن تركيا في مثل هذا التحالف، تشبه جميع الحكومات الرأسمالية، فأنقرة لا تعمل طبقاً لمصالح الشعب التركي، ولكن من أجل مصالح زعمائها، وتعاونها الخارجي في الأغلب تقوده المصالح الخاصة لشركاتها الكبرى.
لقد انتقدت أنقرة المذابح الإسرائيلية في غزة خلال سنتي 2008-2009، ورئيس وزراء تركيا طيب رجب أردوغان، خرج غاضباً من اجتماع غزة في دافوس لسبب واحد (تهدئة) الأغلبية الكبيرة من الأتراك التي تدعم الفلسطينيين، ورفض بوضوح أية صفقات تجارية مع الدولة اليهودية. وفي سنة 2006 انتفض أكثر من 50,000 تركي في احتجاج عاصف ضد عدوان إسرائيلي على غزة قتل فيه 12 فلسطينياً، والكثيرون جرحوا. وفي 2 كانون الثاني من السنة الحالية 2009، احتج آلاف الأتراك ثانية ضد قتل أكثر من 1300 فلسطيني في غزة.
وتقول المحللة السياسية أن عامّة السكان - بعضهم أعضاء في حزب المعارضة، ومثقفون، و19 جمعية ممنوعة، ومجموعات أخرى- طالبوا أن تقطع تركيا علاقاتها العسكرية والتجارية مع إسرائيل. وردت الحكومة بكلمات فارغة من الإدانة، لكنْ من دون أن تتخذ أية إجراءات جادة ضد إسرائيل، مهملة بذلك طلبات المحتجين، ومشيرة في الوقت نفسه أن قطع الروابط التجارية والعسكرية مع إسرائيل، لن يوقف هجماتها ضد الفلسطينيين.
وتشير المحللة ليز بلوغ الى أن خطة الهجرة اليهودية الجديدة إلى كردستان، تعطي إسرائيل حضوراً رسمياً علنياً في شمالي العراق، والذي يمكن أن يتسرّب إلى كردستان التركية، وكردستان الإيرانية، ويهدد تركيا بتأسيس نشاط، يزعزع المنطقة، ويبني قوة اقتصادية وعسكرية تابعة للدولة اليهودية. وفي الوقت نفسه، وراديو هولندا، حاله حال الكثير من معاقل الموساد في أوروبا، أظهر أن مجلة (إسرائيل- كرد) مهتمة فقط بشعاراتها البراقة من مثل (حرية التعبير...الاهتمام بتاريخ اليهود الأكراد...بناء الجسور)..وبالطبع: التركيز على مهمة حماية الدولة اليهودية، المعروفة باعراض افتتانها بنفسها، وبأنها مضطهدة من قبل أولئك العرب (الأشرار)!.
وكان ماناز مراد قد كتب تقريراً لإذاعة هولندا روّج فيه لهجرة الإسرائيليين إلى العراق، والذي أذيع بتاريخ 12 آب 2009، قال فيه إن مجلة (إسرائيل- كرد) أثارت موجة من الاستياء في شمالي العراق، عندما فاجأت الكثيرين من مواطني العالم العربي، لكنها المجلة في طبعتها الثانية أصبحت تتصدر أكشاك الصحف، والمكتبات.
وبرغم أن هناك الكثيرين الذي يجادلون بشأن عود اليهود العراقيين الى العراق – يقول مراد- إلا هذا الموضوع كان على الدوام (تابو) أو محرماً في الصحافة المطبوعة. وفي العراق، وأيضا في الدول العربية المحيطة، فإن مجلة (إسرائيل- كرد) كانت مفاجأة كبيرة. ولدرجة أكبر تساءل الكثيرون ما إذا كانت (الحرية في كردستان) تدخل مرحلة جديدة؟. وأثارت هذه المجلة تساؤلاً آخرا مهماً يقول: ((ربما تكون المجلة ذات مهمات سياسية مدعومة من الخارج))؟.
ومجلة (إسرائيل- كرد) صدرت بـ50 صفحة باللغة الكردية. وفيها صفحتان باللغة الإنكليزية. والانطباع الأول عنها – كما يرى مراد- أنها تعمل على بناء جسور بين إسرائيل وكردستان. والمحررون أيضا يهتمون بتاريخ اليهود الأكراد الذين هاجروا من كردستان العراق الى إسرائيل سنة 1948، و(حقهم) في العودة الى بلدهم في هذه المنطقة. أما المقالات والتقارير التي نشرتها المجلة فهي مجهولة الكتاب، ولم يذكر فيها إلا اسم الناشر (داود داغستاني).
وحسب شبكة أكسس أوف لوجيك، يرى فرهاد عوني رئيس نقابة الصحفيين في كردستان، أن صدور المجلة يعد دليلاً على (الحرية الصحفية)..ويضيف: إن قوانين الصحافة والإعلام، تعطي أي مواطن من الصحفيين المنتمين الى النقابة حق إصدار مجلة أو صحيفة خلال 24 ساعة، ولا يعد ذلك خرقاً للشروط العامة للحريات الصحفية. ويزعم عوني قائلاً: نحن نعرف أن (داود الداغستاني) ناشر مجلة (إسرائيل- كرد) نزيه ولا ينتمي الى أية فئة سياسية، ويمتلك (جنسية أجنبية)!!.
من جانب آخر، يقول الصحفي الهولندي جوديت نيورينك، والذي يقوم بـ(مهمات التدريب الإعلامي) في مدينة السليمانية: ((لقد فوجئت قليلاً عندما رأيت المجلة. هذا يعني أن حرية التعبير في هذا الجزء من العالم قد تطورت، وهي تتقدم. إنها الحال حقاً غير اعتيادية، ولم يحدث مثل هذا الشيء من قبل. أما التقدير النهائي للمجلة فهذا ما سيقرره القراء)).
وبرغم كل شيء – يقول فرهاد عوني- فإن المجلة كما يبدو يُراد لها أن تلعب دوراً لاعتبارات سياسية كثيرة. إن (العراق الكردي) يضع نفسه بشكل متزايد بين إسرائيل وبين العالم العربي. ويستشهد بالزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي قوّت الروابط مع عموم العرب وعلى وجه الخصوص الفلسطينيين. ومعروف أن الزعيم الكردي الراحل مصطفى البارزاني كان قد زار إسرائيل مرتين.
ومن خلال مجلته، دعا الناشر (داود الداغستاني) الأكراد اليهود الى العودة الى كردستان، التي كانوا يعيشون فيها قبل رحيلهم الى إسرائيل. ويقول فرهاد عوني: إنه يراهم أكراداً أصليين،ويتوقع أن عودة اليهود الى كردستان، سوف تمهد الطريق لعودة الفلسطينيين إلى فلسطين. وينتظر المراقبون – كما تقول شبكة أكسس أوف لوجيك- ما إذا كان اليهود الأكراد سوف يعودون الى كردستان. وأوضحت أن ليس هناك أعداد معروفة أو حقيقية لمثل هؤلاء اليهود الأكراد الذين هاجروا من شمالي العراق. وربما ستنشر المجلة شيئاً عن ذلك في طبعتها الثالثة المتوقع صدروها هذا الشهر.