
مقال بقلم أرتور لنك, سفير إسرائيل في أذربيجان
قام رئيس الدولة شمعون بيرس بزيارة تاريخية لأذربيجان ثم لكازاخستان. وفيما تتجنب دول إسلامية عديدة إقامة أي علاقة رسمية مع إسرائيليين، اختارت جمهورية أذربيجان، وهي دولة علمانية ذات أغلبية سكانية مسلمة مطلقة، طريقا مختلفة تحمل في طياتها المنافع للدولة نفسها ولإسرائيل. تُشكل زيارة الرئيس بيرس تحديًا لأولئك الذين يدعون أن اليهود والمسلمين لا يستطيعون العمل سوية أو أن الصراع بينهما أبدي.
تسود بين إسرائيل وأذربيجان علاقات تعاون متينة تشمل جوانب إستراتيجية ورمزية واقتصادية، ومن الحري أن تكون هذه العلاقة معروفة أكثر لحلفائنا المشتركين أيضا. زيارة بيرس تقدم منبرا مهما لعرض قصة النجاح هذه في إطار العلاقات الخارجية لإسرائيل.
تفتخر أذربيجان بتاريخ من التسامح، بما في ذلك تجاه الجالية اليهودية التي تقيم فيها منذ مئات السنين. كثيرون من أبناء الجالية اليهودية وصلوا إلى بلاد القوقاز بعد معاناة طويلة مع العنف والملاحقات. حاليا يعيش في أذربيجان 10،000 يهودي تقريبا ويحظون باحترام وتقدير قيادة الدولة. دولة إسرائيل تحولت إلى بيت لحوالي 40 ألف يهودي آذاري قدموا إلى البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. على مر السنين أقيمت عدة منظمات لتشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل وتحافظ هذه المنظمات على علاقات دائمة مع أذربيجان ويرى فيها الشعب الأذاري عاملا إيجابيا ونشيطا بين صفوف "الشتات الآذاري". تعتبر هذه العلاقة أساسا طبيعيا للتعاون والاحترام المتبادل بين الشعبين والدولتين.
إسرائيل وأذربيجان هما دولتان صغيرتان تقعان في مناطق حساسة. نتقاسم نحن وهم ضرورة وجودية تقوم على توفير الأمن والاستقرار والتطوير لسكان الدولتين بالرغم من المخاطر المعلنة والمستترة. لأذربيجان حدود مع كل من إيران وجورجيا وتركيا وأرمينيا. بين أذربيجان وأرمينيا يدور صراع مُعقد حول اقليم ناجونو كرباخ (قرة باغ) وسبعة مقاطعات مُحتلة منذ 15 عاما. العلاقات مع إيران حساسة هي الأخرى. أحد أسباب هذه الحساسية هو حقيقة وجود 20 مليون آذاري يسكنون شمال إيران. الأمم المتحدة أعلنت أن هذه الأقلية تعاني من انتهاك لحقوق الإنسان، بما في ذلك فرض قيود على تعليم اللغة والتربية والثقافة.
على الرغم من تعلق أذربيجان جغرافيا بإيران، حيث يمر من الجمهورية الإسلامية المعبر البري الوحيد لجيب نحتشيبان الآذاري، وبالرغم من وجود قواسم تاريخية مشتركة، كتبني الإسلام الشيعي، فقد اختارت أذربيجان طريقا مختلفة تماما عن تلك التي اختارتها جارتها، بما في ذلك وجود نظام سلطة علماني مطلق ومشاركة قوات عسكرية آذارية إلى جانب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان.
حجم التجارة بين إسرائيل وأذربيجان ارتفع بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة. إذ بلغ حجم التصدير الإسرائيلي 129 مليون دولار يشمل التقنيات المتطورة من شركات مثل "نيس تكنولوجيا" و"نطافيم". في السنة المنصرمة باعت أذربيجان لإسرائيل أكثر من 25 مليون برميل نفط- ربع كمية النفط تقريبا التي تشتريها إسرائيل. في الشهر الفائت فقط وصل إلى إسرائيل وفدان تجاريان رفيعا المستوى من أذربيجان.
إسرائيل من جهتها ستواصل البحث عن آفاق جديدة لتقاسم خبراتها مع أذربيجان. ففي شهر مارس/آذار 2009 أدار مختصين إسرائيليين حلقة دراسية حول إدارة موارد المياه. نجمة داوود الحمراء تقدم المساعدة للهلال الأحمر المحلي في مجال التأهيل لعلاج الطوارئ. أساتذة وطلاب من الجامعات المركزية في أذربيجان حصلوا على منح تعليمية في إسرائيل. أخصائيين كبار في مجال علم الدم زاروا عدد من المراكز الطبية في إسرائيل بهدف دراسة إنجازاتنا في مجال علاج الأمراض الدموية. هل يمكن أن تقدم هذه العلاقات نموذجا يحتذى به؟ هل يوجد هناك أي احتمال أن تكون دولا إسلامية أخرى، كبنغلادش وماليزيا والمغرب، شريكات إسرائيل الجديدات؟ قرار وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان افتتاح سفارة إسرائيلية في تركمنستان، وراء بحر قزوين قبالة أذربيجان، هو خطوة أخرى في إطار هذه الجهود. من السهل جدا الادعاء أن الفروقات بيننا كثيرة وأن تعقيدات الشرق الأوسط كبيرة جدا. إن العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان هي شهادة على أن التعاون المشترك والاحترام المتبادل يأتيان بفوائد جمة لا تُقدر بثمن.