يونيو 06، 2009

حارث الضاري من صدّام الى البارزاني الى الجماعات المتطرفة


لم يستغرب أحدُ تزكية بعض الجماعات الإرهابية والتكفيرية في العراق والتي يطلق عليها اسم "المقاومة العراقية" لحارث الضاري رئيس هيئة العلماء المسلمين، ناطقا رسميا باسمها، فالرجل معروف بعلاقاته التي لم تستقر مع أحد إلا بعد مذكرة الاعتقال بحقه من قبل وزارة الداخلية العراقية في نوفمبر 2006 تحت يافطة تحريضه على الإرهاب والعنف، رغم أن تلك المذكرة والوزارة التي أصدرتها ليستا بريئتين من التهم نفسها التي لم يتوانَ حارث الضاري في تأكيدها على نفسه والجنوح نحو الأقصى زيادة على ذلك.

بعد عمر من التحولات العاصفة بدأها في صفوف رجالات صدام ومداحيه الداعين له بطول العمر والبقاء على رقاب الناس إلى الانتقال إلى الصف النقيض حين تجول على ظهر الدبابات الأمريكية في إبريل نيسان 2003 مهيلاً التراب على العهد الظالم الذي طالما امتدحه، وداعيا إلى عهد جديد، ومن ثم انتقاله إلى الشمال الكردي عله يجد مكانا له، ومن ثم طلاقه لهم وانتقاله إلى مغازلة الحزب الإسلامي "إخوان مسلمون" في العراق وإلى ما هنالك من تقلبات حسمتها مذكرة الاعتقال المثيرة للجدل والتي صدرت بعد خروج الضاري من العراق نحو الأردن المجاورة، فمن هو حارث الضاري؟!

اسمه الكامل حارث سليمان الضاري الزوبعي الشمري رئيس هيئة العلماء المسلمين في العراق، ومن أخطر الشخصيات العراقية التي تدور حولها الأسئلة المريبة وتحيط بتحركاته إشارات استفهام وتعجب لا حد لها، تترأس عائلته قبيلة زويع ويشغل هو مكانة كبيرة فيها، يعتبر أحد وجهائها.

ولد حارث في بلدة الزيدان بين الفلوجة وبغداد- شرق الأنبار- استغل نفوذ والده داخل العشيرة ليتخلص من جميع منافسيه في العشيرة، متهماً بعضهم بالخيانة حينا، والبعض الآخر بالكفر في غالب الأحايين، منفذا عمليات اغتيال بحق هؤلاء حتى تفرغ له ساحة القبيلة ويشغر طريق السيادة أمامه. وأنصع الأمثلة على تلك العمليات هو قيامه باغتيال سلام الزوبعي.

أما هيئة علماء المسلمين التي تزعمها الضاري منذ تأسيسها فقد تأسست في الرابع عشر من أبريل نيسان من العام 2003 بعد احتلال العراق بخمس أيام فقط، حيث اجتمع عدد من شيوخ ومؤذني مساجد بغداد والأنبار والموصل ودهوك وإربيل والسليمانية نذكر منهم عبد السلام الكبيسي وعبد الستار عبد الجبار ومحمد بشير الفاتحي ومهدي إبراهيم أحمد عبد الغفور السامرائي، بتمويل من رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، لينشئوا هيئة إسلامية سُنية في مواجهة المجلس الإسلامي الأعلى الممثل للطائفة الشيعية والذي ظهر بقوة على الساحة العراقية على أثر الاحتلال بدعم إيراني منقطع النظير.

وتم اختيار أقرب مؤذني المساجد للرئيس المخلوع صدام حسين رئيسا لها، وكان ذاك الشخص هو حارث الضاري المعروف عنه دعواته الدائمة لصدام ومعروف عنه قوله: "صدام بعد الله نعبدك، في مصافي الأنبياء والرسل نعرفك" ولكنه انقلب على أقواله تلك في بداية الغزو وأول عهد هيئة علماء المسلمين حين أصبح أمريكيا أكثر من بول بريمر نفسه، فوصف قوات الاحتلال بقوات التحرير، دعا لها كما دعا لزعيمه صدام، وكال على صدام ونظامه آلاف الشتائم أثناء شهر عسله مع الأكراد في الشمال.

شهر العسل الذي لم يستمر طويلا فسرعان ما انسحب الأكراد من المجلس وأسسوا هيئة إسلامية خاصة بهم في إقليم كردستان واستحوذوا على كل الدعم الذي كان يمنحه البارزاني للهيئة، فانتقلت بقايا الهيئة التي يتزعمها الحارث، تبحث عن ممول آخر، ولم يجد رئيسها المتعود على المديح في كل الاتجاهات إلا الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي ملجأً له، في الوقت الذي كان الحزب الإسلامي-إخوان مسلمون- في العراق يستحوذ على كامل الدعم المقدم من الجهات كلها لسنة العراق بسبب حضوره في الشارع.

في الأول من هذا الشهر1/6 خولت جماعات إرهابية عراقية، حارث الضاري ناطقا باسمها ومكلفا بالتفاوض عنها "يتحدث باسمنا ويفاوض عنا في الأمور السياسية ذات الصلة بنا، وأن ينوب عنا في كل المحافل" وهذا ما كان يحلم به الحارث الضاري طوال عمره ويبدو أن اسمه قد أثر في تركيبته السيكولوجية فظن أن الضاري هو من شاكلة صدام حسين.

وبالنظر إلى أسماء تلك الجماعات نعرف مدى دقة هذا الاختيار ومدى تطابق الاختيار مع خيارات هؤلاء، وهم "كتائب ثورة العشرين وجيش الراشدين وجيش المسلمين، والحركة الإسلامية لمجاهدي العراق، وسرايا جند الرحمن، وسرايا الدعوة والرباط، وكتائب التمكين، وكتائب محمد الفاتح، وجيش التابعين، وجيش الجهاد، وعصائب العراق الجهادية، وجيش المجاهدين المرابطين، وجيش الإمام أحمد بن حنبل.

عرفت التنظيمات، سالفة الذكر، ببطشها وقتلها للناس الأبرياء في الشوارع عبر تفخيخ السيارات والمحلات التجارية، واستخدام النساء والمرضى النفسيين في العمليات الانتحارية.

وإذا كان من عملية تمت لقتل أجنبي في العراق فأنها إما قتل صحافي أعزل جاء لفضح ممارسات الاحتلال أو قتل المتطوعين الأجانب في الجمعيات الخيرية الذين اختاروا مساعدة العراقيين فيما لم يستطع تنظيم من هؤلاء الاقتراب من الجنود الأمريكان.

ولو نتفحص حقيقة أغلب هذه التنظيمات نجد أنها ليست أكثر من عصابات مأجورة للنهب والسرقة وقطع الطرق، وعلى علاقة وطيدة مع أكثر من جهاز أمني تابع لدول لها مصلحة في زعزعة استقرار العراق وبث الفوضى في مدنها والتخلص من صفوتها المثقفة.