مايو 22، 2009

تراجعت أربيل أم تقدمت بغداد؟


بدا الامر وكأنه سلسلة من الاخبار السعيدة بعد مدة طويلة من الجمود في العلاقات الشخصية بين رئيس الوزراء نوري المالكي وبين رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني. مواقع وصحف كردية وعربية تناقلت خبرا مفاده ان اربيل خصصت خمس قطع اراض سكينة في قلب المدينة لبعض مساعدي المالكي من بينهم نجله. لم يصدر تعقيب رسمي من قبل مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي على ما تم نشره في بعض تلك الصحف والمواقع الالكترونية العربية والكردية. لكن حديث قطع الاراضي لم يتوقف عنده الكثيرون طويلا من منطلق كونه مجرد هدايا رمزية من باب اثبات حسن النيات وان بامكان ليس العربي ان يسكن في اربيل او السليمانية بل حتى كبار المسؤولين طالما هي ارض عراقية. فربما يحصل غدا نجل البارزاني على قطعة ارض في قلب النجف او كربلاء من باب اثبات حسن النية بالمقابل. لكن السياسة غالبا ليست حسن نيات بل ملفات شائكة ومشكلات تبحث عن حلول حتى ولو كانت مؤقتة حينا وجزئية حينا اخر. لكن الامر لم يتأخر كثيرا على صعيد البدء بالبحث عما يمكن ان يدخل في باب طمأنة الاخر بحسن نيات الطرف المقابل.ففي غضون ذلك بدات مباحثات عالية المستوى بين وفدين من حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي والحزب الديمقراطي الكردستاني وذلك بهدف كسر الجمود في العلاقة الشخصية بين المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني التي شابها البرود خلال المدة الاخيرة. وكان المالكي والبارزاني تبادلا الاتهامات بشان التقصير الحاصل في حسم الملفات والقضايا الخلافية بين الطرفين. وكانت قد عقدت حتى اواخر العام الماضي جولات عدة من المباحثات بين رئيس الوزراء الاتحادي نوري المالكي وبين رئيس وزراء اقليم كردستان نيجرفان البارزاني الا انها لم تسفر عن شيء بسبب تعنت الطرفين بشأن القضايا المطروحة على جدول النقاش واهمها المناطق المتنازع عليها فضلا عن قضايا النفط والغاز وتوزيع الثروة والميزانية وقانونية قوات البيشمركة الكردية.
وبينما حصلت تطورات عديدة طوال المدة الماضية تزامنت مع انتخابات مجالس المحافظات وتلتها والتي تمثلت بقيام المالكي بتأسيس مجالس الاسناد العشائرية في العديد من المناطق المتنازع عليها بمن فيها كركوك حيث انضم الرئيس جلال طالباني الى قائمة منتقدي المالكي بسبب تجاوزه الصلاحيات الدستورية فان المالكي اعلن اكثر من مرة انه مستعد للاحتكام للدستور في حل الخلافات.غير انه بالنسبة للعديد من المراقبين السياسيين ورجال القانون في العراق ان الدستور العراقي بصيغته الراهنة قبل اجراء مايلزم من تعديلات عليه لايوفر حلا للمشكلات والمعضلات القائمة بين الاطراف المتنازعة في العراق بقدر مايمثل احدى المعوقات التي يمكن ان تقف في طريق ايجاد الحلول الناجعة.لكن وفي سياق الجدل الذي احتدم بين الطرفين وحصول تطورات اخرى على الساحة السياسية داخل البلاد وذلك بتحول الصراع الصامت حول الموصل الى صراع معلن بين العرب والاكراد فان مياها كثيرة جرت تحت الطاولة بين الطرفين. وطبقا للمعلومات المتداولة بين كبار قادة الحزبين .. حزب الدعوة والحزب الديمقراطي فان فكرة احياء التحالف بينهما وفقا للأسس القديمة التي بني عليها ايام المعارضة يمكن ان توفر فرصة لتقريب وجهات النظر بين المالكي وبارزاني اللذين ربما ابعدت مسؤوليات السلطة بين ماكان موجودا من روابط شخصية بينهما.بالنسبة لاربيل تعدى الموضوع حدود الاراضي المتنازع عليها في كركوك والموصل وبعض اقضية محافظة ديالى الى تخصيص قطع اراض في قلب مدينة اربيل لنجل المالكي وبعض مساعديه من باب اثبات حسن النيات وليس الرشاوى لان المالكي او فريقه الاداري ليسوا بحاجة في ظل ما يتمتعون به من امتيازات الى قطعة ارض ربما لايتعدى سعرها الربع مليون دولار.
لكن الامر يدخل في نطاق الهدايا الرمزية التي تثبت حسن نيات طرف ازاء طرف اخر. واستنادا لما تم الاعلان عنه مؤخرا ان لقاء قريبا سوف يعقد بين المالكي ومسعود بارزاني بعد ان تمكن الفريق السياسي من حزب الدعوة والحزب الديمقراطي الكردستاني من توفير الارضية المشتركة لهذا اللقاء الذي قد لايوجد حلولا سحرية للقضايا المختلف عليها الا ان المطلوب تحديدا بالدرجة الاولى الان هو اعتراف كل طرف باحقية الطرف الاخر بالاختلاف.ويرى قياديون سياسيون ومراقبون متابعون لملف العلاقة العربية ـ الكردية ان التصعيد الذي بدأ يشهده هذا الملف ربما تقف خلفه اطراف داخلية وخارجية تسعى الى توتير العلاقة التاريخية بين الشيعة والاكراد. وبالتالي فان استمرار التصعيد قد يوفر غطاء لمواجهة لا احد يبدو مستعدا لها.يضاف الى ذلك خيبة الامل الكردية من الولايات المتحدة الاميركية وهو ما اعلنه صراحة مسعود بارزاني مؤخرا عندما اشار الى ان الاكراد كانوا يتطلعون لدور اميركي اكبر في ايجاد حلول لمشكلاتهم. وعلى هذا الاساس فانه لم يعد ممكنا سوى التفاهم على قاعدة الحوار المشترك وفقا للدستور الذي يتفق الجميع على انه هو بحاجة الى حل.