مايو 25، 2009

تركيا تبيع أرضها لـ"الاحتلال" الإسرائيلي


لا يمكن فهم السبب في إصرار حكومة حزب العدالة التركي على اسناد عملية نزع ألغام على الحدود مع سورية إلا من خلال النظر إلى طبيعة العلاقة المتنامية بين تركيا وإسرائيل، وإلى منهج الواقعية السياسية الذي تعمل به الحكومة المحافظة في ظل أزمات سياسية واقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي.

ولا يحتاج المراقب إلى الكثير من الجهد للقول بأن السياسة الخارجية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم شهدت تحولات سياسية تنحو تجاه إعادة التوزان مع القوى الإقليمية والعالمية، فقبل وصول الحزب إلى السلطة كان هناك ما يشبه الانسياق التام وراء الولايات المتحدة، بعيدا عن المحيط الاسلامي، رغبة في الحصول على الدعم الأمريكي من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو حلم بدأه مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك الذي أراد أن يخرج من عباءة الخلافة العثمانية إلى رحابة الدولة الأوروبية الحديثة، بكل منجازاتها العلمية والثقافية، لكن هذا أدى في فترات طويلة إلى ابتعاد تركيا عن محيطها الإقليمي.

وتغيرت هذه السياسة كثيرا بعد أن تولى حزب العدالة الحكم الذي أرد أن يحقق عملية توازن بين الغرب متمثلا في العلاقات الجيدة مع أمريكا وإسرائيل، وبين المحيط العربي متمثلا مع سورية، وربما يأتي هذا بدافع الخوف من تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق والأزمات الأمنية المتفاقمة، وتمكنت الحكومة الحالية من إقامة توازنات تبدو في حقيقتها متناقضة للغاية، فعلاقتها جيدة بدمشق وحماس وكذلك بالسعودية ومصر وفي الوقت نفسه جيدة مع إسرائيل وأمريكا وروسيا، ودارت الدولة التركية في كل هذه الدوائر بحثا عن المصالح التي تتطلع الدولة التركية إلى أن تحقق لها مكانتها في المنطقة.

وينعكس هذا التناقض على الداخل التركي فالحكومة الحالية إسلامية لا بجدال وهو ما يثير غضب العلمانيين، وهي أيضا تتعاون مع إسرائيل بما يثير حنق الإسلاميين والتيارات القومية، وبسبب هذه التناقضات ثارت مشكلة الألغام الأخيرة.

فالحكومة التركية ترغب في اسناد شركة إسرائيلية عملية إزالة ألغام على الحدود مع سورية، وهو ما تخشى معه المعارضة من أن يثير مشكلات مع دمشق، كما تخشى أن تحتل إسرائيل، عبر شركتها، تلك المناطق الحدودية خاصة أن الشروط المطروحة تمنح الشركة امتيازات مقلقة، ذلك أن السماح للشركة بإزالة الألغام يمنحها حق الانتفاع بالأراضى، منزوعة الألغام، وزراعتها لأكثر من أربعين عاما، وهي فترة زمنية طويلة، وتعني أن الحزب يجبر الدولة على التعامل مع إسرائيل في فترة قادمة قد تتغير فيها السياسة والمواقف والأهداف بما يحجم التعاون مع الدولة العبرية.

وهو الأمر الذي جعل المعارضة التركية تتهم الحكومة بالسعي إلى بيع قسم من تركيا لشركات أجنبية وفي هذه الحالة شركة اسرائيلية.

ودافع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن مسعاه بمنطق الواقعية السياسية قائلا إن العالم يمر بأزمة اقتصادية طاحنة واستثمار الأرض بزراعتها، فضلا عن تطهيرها، هدف ملح في الوقت الراهن خاصة انه سيوفر فرص عمل للأتراك.

لكن أغرب قول للمعارضة على هذا المشروع ما أعلنه حزب الشعب الجمهوري من أن منح الامتياز لشركة إسرائيلية سيخلق "غزة ثانية" في إشارة الي ان تركيا تمنح أرضها لـ"محتل" وتدفع له أيضا. السياسي