ثمة مؤشرات تؤكد أن كركوك "تغلي" وأن هناك تخوفات حقيقية ولها ظلالها على أرض من تحول المدينة الثرية بالنفط إلى "مستنقع نزاعات" عرقية وطائفية. ويقول مراسل لوس أنجلوس تايمز: عبر مشهد صحراوي مقفر منقط بحروق نفطية متوهجة على الحافة الشمالية للمدينة، تنتشر بيوت جديدة من الرمال والآلاف منها في صفوف مرتبة، ومعظمها غير مكتمل وفي صورة هياكل رمادية متنوعة. والمشهد المذهل في العراق مازال ينتظر أية عمليات اعادة بناء مهمة لكي تحصل وتشتمل على دليل على النزاعات الكبيرة غير المحلولة في العراق والتي مازال بمقدورها ان تغطس البلد في الفوضى مع انسحاب القوات الاميركية. وهذه الدور يتم بناؤها من قبل الأكراد في كركوك والذين تدفقوا الى شمال المدينة لاعادة تأكيد - كما يقولون - ادعاءتهم بالاراضي التي طردوا منها من قبل صدام حسين في محاولة لخلق اغلبية عربية . واشتعال النفط يوضح السبب الرئيس ان النزاع حول الارض هو بمثل هذه السخونة : فكركوك تقبع - بحسب صحيفة اللوس انجلس تايمز على ما يقدر بعشرة بلايين برميل من النفط وتنتج ربع الانتاج النفطي العراقي الحالي ، وذلك لوحده كاف لتعزيز دولة مستقلة بضم الاكراد للاقليم الكردي الكبير المتركز في الشمال - و لافلاس الدولة العراقية يجب ان تفقد عوائد النفط في كركوك. وتقول الصحيفة إن العرب والتركمان الذين يعيشون ايضا في كركوك ويريدون ابقاء المحافظة تحت السيطرة العراقية ، اصيبوا بالفزع من جراء حجم التدفق الكردي، والذي يقولون بانه يتجاوز الى حد بعيد العدد الذي اخرجه صدام حسين من المدينة . وهم يشكون بان الاكراد الخارجيين يمضون الى المدينة للتأثير على نتيجة الاستفتاء حول فيما اذا سيتم ابتلاع كركوك من قبل الاقليم الكردي . ويقول حسين علي صالح والذي يعرف بـ ابو صدام ويرأس كتلة الوحدة العربية ، وهي القوة السياسية العربية الاكبر في المحافظة :" انه من السخيف والمضحك ومن المستحيل ، المدينة مكتظة بالناس ، والاكراد الان يشكلون الاكثرية الان ولكن معظمهم ليس من سكان كركوك الاصليين ". وقد ساهمت النزاعات في تأجيل الانتخابات الوطنية المهددة والتي كانت مقررة في شهر كانون الثاني المقبل ، حينما استمر التشاحن في البرلمان العراقي بشأن هؤلاء الذين يعيشون في كركوك، وما إذا كان سيسمح لهم بالتصويت . ولكن بالمضي اعمق من ذلك ، فان هناك مسائل وجودية يتم الرهان عليها حول هوية العراق نفسه: هل يجب ان يكون دولة محكومة بحكومة مركزية قوية حيث تكون كل الطوائف والاعراق متعايشة ؟ او اقاليم فدرالية هزيلة وضعيفة ، مثل الجيب الكردي - بحسب توصيف اللوس انجلس - ، حيث يكون لكل الطوائف العراقية الحق في تقرير حكامهم .وهذه المسألة واعدة لكي تلوح بشكل كبير حول الانتخابات القادمة ، وتخاطر بتوريط العراق في نزاع جديد ، بين العرب والاكراد ، وربما مع جيران العراق ، اذا لم يتم حله سلميا مع حلول وقت انسحاب القوات الاميركية ، كما يقول جوزت هلترمان من المجموعة الدولية للازمات والمتخصص في الشؤون العراقية.
وتراقب تركيا وايران وسورية، متخوفة من ان اقلياتها الكردية قد تسعى الى الاستقلال اذا تم الحاق كركوك بالمنطقة الكردية ، وقد شخص الجنرال اوديرنو قائد القوات الاميركية في العراق ، التوتر الكردي - العربي باعتباره :" الرقم واحد في عدم الاستقرار في العراق ". ويقول هلترمان :" كركوك هي الموضوع في العراق ، وكل شيء حول النفط ولكن ايضا حول هوية العراق". وفي قلب مدينة كركوك ، تكثر الادلة حول التاريخ الطويل لمدينة كركوك باعتبارها قدر الانصهار لأعراق وطوائف الاقليم ، وفي سوق او بازار يدل على السلع القديمة الاثرية ، يلاحظ ان التجار يدعون الى بضائعهم باللغات العربية والكردية والتركمانية ، وتلاحظ زحمة الناس على تلك البضائع في سوق ضيقة طويلة تشمل كل شيء . ويلاحظ ان هناك اكرادا وتركمانا وعربا في محال لصيقة ببعضها البعض وتتفرع في بيع مختلف البضائع . ويقول عباس كمال - 29 سنة - وهو تركماني :" المشاكل هي فقط بين الاحزاب السياسية ، ونحن التركمان والعرب والاكراد اشقاء ونعيش بسلام معا " وهو يريد بقاء كركوك تحت السيطرة العراقية ، ولكنه يقول بانه لن يعترض اذا اصبحت جزءا من المنطقة الكردية .ويقول عواد سعيد وهو كردي - 37 سنة - ولم يترك المدينة ابدا :" لم يكن لدينا اية مشاكل هنا ، وليس بيننا جدال سياسي ابدا " وهو يفضل الحاق المحافظة بالمنطقة الكردية ولكنه يقول بانه لن يهتم اذا لم يحصل ذلك . واضاف :" الشيء المهم بالنسبة لنا هو العيش معا". وتنقل اللوس انجلس انطباعا من كركوك ، بان فيها اشارات قليلة للتوتر الذي اشعل المزاج في البرلمان العراقي ، كما ان كركوك قد هربت نسبيا وبدون ضرر من العنف الطائفي والذي ابتلي به معظم بقية العراق قبل سنوات قليلة . وفرض التمرد السني ضريبته كما فعل في اماكن اخرى ، ولكن العنف انخفض بشكل كبير ، ولم تكن هناك مذابح طائفية مثل التي اتلفت بغداد بين سنتي 2005 و 2007. وبالرغم من ذلك ، يقول بعض سكان كركوك بانهم يشهدون مؤشرات مقلقة بان الصدع السياسي بدأ يصل الى الشوارع . ومؤخرا اطلق تركماني النار على كردي في حافة السوق ، وعزت الشرطة الحادث الى خصومة شخصية ولكنهم وجدوا صورة لـ صدام حسين في بيت القاتل والتي كتب عليها :" الحياة لاتستحق بدونك " وهي تعرض خفايا بسيطة للقتل . وحينما تم القاء القبض على اثنين من الاكراد مؤخرا وهما يحاولان الحصول على فدية مقابل خطف اثنين من الاطفال التركمان ، فقد اشتعل التوتر الطائفي بشكل حتمي .وتقول ليلي علاف - 56 سنة - وهي تركمانية والتي تدير معرضا للاحذية في السوق بصحبة كردي :" اكراد كركوك الاصليون هم اشخاص مسالمون ونستطيع العيش جميعا معا ، والمشكلة هي مع الاغراب ، مع القادمين الجدد ".
ولكن الاكراد يبنون البيوت على حافة المدينة وهو امر ينبىء بان المشكلة اكثر تعقيدا من مجرد " الاغراب " ضد السكان التقليديين . ويقول العديد ممن استطلعت اراؤهم بان عوائلهم اخرجت من بيوتهم في سنة 1963 في موجة مبكرة للاضطهاد العربي للاكراد والتي سبقت حقبة صدام حسين والتي نسيت بشكل كبير . وهؤلاء الاكراد لم يؤهلوا للتعويض الحكومي المقدم للاكراد العائدين الذين تم تهجيرهم من النظام السابق ، ولذلك لم يظهروا في السجلات . ووجودهم - كما تتنبأ اللوس انجلس تايمز ، قد يمضي بشكل من الاشكال باتجاه تفسير الغموض الديمغرافي في قلب النزاع . وتظهر السجلات بان 92 الفا من العوائل الكردية العائدة قد طبقت التعويض ، وبان 28 الف عائلة عربية كانت مسكنة في كركوك من قبل حكومة صدام قد طلبت التعويض لكي ترحل ، ولذلك سأل العرب والتركمان لماذا المجموع الكلي للسكان في المحافظة قد قفز الى اقل قليلا من 800 الف في سنة 2003 الى مليون و300 الف اليوم . ويقول المسؤولون الاكراد بانه ليس هناك من غير الكركوكيين من بين الوافدين ، ويسأل بابكر صديق والذي يرأس لجنة مسؤولة عن اعادة تسكين الاكراد واعادة نقل العرب . واحد الاسباب المحتملة : كل عائلة ترحل من المنطقة الكردية لكي تبني في كركوك تتسلم مبلغا اكثر من 6 الاف دولار من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وهو الحزب المهيمن في المدينة ، للمساعدة في تحمل النفقات كما تقول تلك العوائل . وهم يمنحون ايضا قطعة من الارض من قبل مجلس المحافظة الذي يسيطر عليه الاكراد. ووافقت كل الاطراف على شيء واحد : احصاء 1957 وهو الاخير غير الملوث كما يزعم بالتطهير العرقي ، ويجب ان يستعمل كأساس لتقرير من الذي سيسمح له التصويت في الاستفتاء . وذلك الاحصاء اظهر المدينة باغلبية تركمانية ، ولكن كركوك هي الان كردية باغلبيتها . ولكن من الواضح ان الكثير من الاكراد الذين يعيشون في كركوك لم يولدوا فيها . ويقول علي فتاح - 40 سنة - والذي سكن في بيته الجديد قرب حقل نفطي قبل ثلاثة اشهر :" هذا هو المكان الذي ولد فيه والدي ودفن فيه اجدادي ، وازور قبورهم كل يوم ، واشعر بالتواصل هنا ، ولكنني بالطبع اريد ان انتمي الى المنطقة الكردية لانها تحكم من قبل الاكراد والحكومة العراقية لم تفعل أي شيء لنا ". وفي الوقت نفسه وعبر عقود فان حجم هذه العوائل المطرودة قد زادت بشكل استثنائي. ويقول محمد محمد علي - 70 سنة - وله اربعة اشقاء وسبعة اولاد بانه واقرباءه المباشرين تركوا اربعة بيوت حينما هجروا في سنة 1963 . وبعد ان قضوا عقودا في المنطقة الكردية فانهم عادوا مع العديد من العناصر الجديدة لبناء 16 مسكنا . وقال :" اذا ادخلتم كل اقربائي فسوف نبني 50 بيتا " وهو يتكلم خارج بيت جديد وهو يشم رائحة نفط محترق.