أبريل 19، 2009
الاكراد خسروا نصف الموصل ولم يربحوا كل كركوك
وقع الرئيس جلال الطالباني المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين اثيل النجيفي، شقيق النائب المعادي للاكراد اسامة النجيفي، محافظا للموصل. لكن هذه هي قواعد الديمقراطية، فالنجيفي اثيل، هو زعيم قائمة الحدباء العربية التي تمكنت من هزيمة قائمة نينوى المتآخية الكردية في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة. لكن لم تكن الهزيمة التي مني بها ممثلو الاكراد في الموصل مجرد لعبة ديمقراطية، بل هي كما تبدو سواء من الخطوات اللاحقة او التي يمكن ان تأتي تباعا ابعد من كونها عملية تنتمي الى قواعد اللعبة الديمقراطية.
وعلى طريقة المثل القائل (دافنيه سوا ـ يعني معا) فان الجميع يدركون سواء في بغداد او في غيرها من المحافظات او المناطق سواء كانت ملتهبة ام اقل التهابا حيث لا توجد لدينا مناطق باردة حتى الان فان الجميع يتعكز على الديمقراطية لكن عندما يريد ذلك او تخدم تلك الديمقراطية تطلعاته او اهدافه المعلن منها والمخفي. ففي الموصل يمكن القول انه جرى من الناحية الشكلية تداول سلمي للسلطة بين قائمتين تمثلان كتلتين مختلفتين.. فنينوى المتآخية هي التي تمثل الاكراد بينما الحدباء تمثل العرب.. وهذا أمر لا يدخل في باب التداول السلمي للسلطة بقدر ما يدخل في باب التداول القسري لها وفق ديمقراطية عرجاء بكل المعايير. فخلال السنوات الماضية التي جرت فيها انتخابات مجالس المحافظات كان الاكراد قد سيطروا تماما على محافظة الموصل.
وقد ترتب على ذلك بروز صراعات عرقية وقومية وحتى مذهبية في هذه المحافظة. واليوم يسيطر العرب فيها وكلا الفريقين لا ينطلق من قواعد الديمقراطية في السيطرة او التهميش بل ينطلق من حسابات قومية وحزبية وهو الد اعداء الديقراطية عندما لا تكون محسوبة. اذن بمقاييس الربح والخسارة وليس بمعايير الديمقراطية هزم الاكراد في الموصل وهو امر يبدو صعبا عليهم بينما بدأ الوقت يضيق على تطلعاتهم في كركوك المتنازع عليها طبقا للمادة 140 من الدستور المختلف عليه اصلا.
وبالطبع فانه اذا كانت كل كركوك متنازع عليها وفق المادة 140 فان هناك اقضية عديدة في الموصل هي الاخرى متنازع عليها طبقا لهذه المادة وهو ما يمكن ان يزيد الطين بلّة. لم تكتف قائمة الحدباء في الموصل من هزيمة القائمة الكردية في الانتخابات فقط عندما حصلت على أكثر من 60% من مقاعد مجلس المحافظة، بل انها هزمتها في توزيع المناصب داخل المحافظة. ولم تهتم للتهديدات والضغوط التي مارستها الاحزاب الكردية. بل بدت وكأنها تنتظر التصعيد على أحر من الجمر.
وهنالك على ما يبدو اسباب يمكن ان تقع في نطاق ذلك ومن ابرزها وجود تحالف عشائري كردي في الموصل مضاد للقيادة الكردية الرسمية. وطبقا للمعلومات فان بعض عشائر الزيبارية والهركية لا تدين بالولاء للقيادات الكردية الرسمية الممثلة بالحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. بل ان هذه العشائر لها ارتباطاتها واحزابها ولها نفوذها. ويبدو ان بعضها محكوم بمبدأ التحالفات القديمة ايام النظام السابق حيث كان صدام حسين يطلق عليهم لقب (الفرسان) بينما تطلق عليهم القيادة الكردية لقب (الجحوش).
الصراع الجديد ـ القديم في الموصل بين العرب والاكراد بدأ ضمن الموازنات الجارية اليوم لصالح رئيس الوزراء نوري المالكي. فالمالكي يميل بطبعه الى النظام المركزي للدولة بعكس ما يتطلع اليه الاكراد.
كما ان تمحور الصراع على الموصل لا يبدو في ظل مفهوم المحاصصة بين عرب واكراد بل بين العرب السنة والاكراد. واستمرار هذا الصراع فضلا عن امكانية اتساعه سوف يخفف كثيرا من الهموم التي يحملها المالكي خصوصا مع حكومة اقليم كردستان وحلفائه السياسيين وهو يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة نهاية العام الحالي.
لذلك فقد بدأت الان في الاوساط السياسية العراقية نغمة جديدة على صعيد تغيير نوعية الصراعات وطبيعة المعادلات. فهناك من التقط اطراف الخيط وبدأ ينسج لحكاية صراع كردي ـ سني جديد يتزامن مع المساعي العربية لاعادة احتواء العراق بالضد من التغلغل الايراني.
هذا الامر بدأت تجري تغذيته باتجاه انه مقدمة لعودة البعثيين الذين اذا ما عادوا فسوف يستأنفون من جديد عمليات الانفال وحلبجة ضد الشعب الكردي.الاكراد من جانبهم لم يعودوا اليوم في اقوى حالاتهم. بل بالعكس هم اليوم في اضعف ما يمرون به من اوضاع داخلية سواء داخل الاقليم او داخل احزابهم او مع شركائهم في بغداد. المنجز الوحيد الذي يعتقد الاكراد انهم حققوه وهم يدافعون عنه بقوة الان هو الدستور.
لكن هذا الدستور لم يعد الضمانة المطلوبة بعد ان كثرت مطالب تعديله حتى من قبل رئيس الوزراء نفسه.من هنا فأنهم في الوقت الذي بدأوا فيه ممارسة ما يعتقدونه ضغطا شعبيا في كركوك وبعض اقضية الموصل ذات الاغلبية الكردية للمطالبة بانضمام بعض هذه الاقضية ولاسيما قضائي سنجار وشيخان الى اقليم كردستان فان القوى العربية في الموصل ومعها حلفاؤها الاكراد باتوا يسخرون من هذه التهديدات ولا يأخذونها على محمل الجد.
وبينما تواصل التحضيرات لمعركة الموصل التي يراد لها ان تكون حاسمة لاسيما ان القوى العربية الفائزة قد دفعت كل القوائم الكردية في الموصل الى صفوف المعارضة فان بعض احزاب الحكومة بدأت مسعى جديدا لما يمكن ان يطلق عليه تطبيع العلاقات بين المركز والاقليم باتجاه الابقاء على سقف الخلافات عند حدود الدستور لان اي تخط للدستور يعني نسفه وبالتالي فان هذا يقع في خانة الاطراف الرافضة للدستور والساعية لتفجير الخلافات بين الاكراد والشيعة.
هناك من يرى ان خسائر الاكراد المتتالية في كركوك حيث لم تطبق المادة 140 في الوقت الذي كان مقررا لها وفي الموصل بعد الانتخابات الاخيرة فان بغداد هي الاخرى لم تعد تمثل نصرا لاحد اذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الجدل الدائر بين القوى والاحزاب التي خسر بعضها الانتخابات الاخيرة لمجالس المحافظات وهو ما جعلها في وضع بات يصعب عليها مراجعة نفسها وخططها لاسباب ايدولوجية وليست مجرد تكتيكات سياسية.
وبين هذا وذاك فان خسارة الاكراد حتى على هذا الصعيد تبدو واضحة لانهم يتشاركون مع الاخرين على مبدأ الديمقراطية للعراق والفيدرالية لكردستان. واذا كان هناك من بدأ يسعى لتقليم اظافر الفيدرالية الكردية في الموصل او كركوك فان التحول الاخطر هو ان هناك من بدأ يعزف نغمة خطر الديمقراطية والحاجة الى الحاكم القوي شاء من شاء وأبى من أبى.
النور