أبريل 27، 2009
بين الطالباني وادونيس وسعدي يوسف
حمزة مصطفى
لو كان الرئيس جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق قبل 40 عاما والتقى قبل 40 عاما الشاعر ادونيس لكان من حق الشاعر سعدي يوسف قبل 40 عاما ان يقول ما قاله بعد 40 عاما وهو ان الطالباني التقى ادونيس ليبحث عن تزكية له لكي يستمر في منصب رئيس الجمهورية. اما لماذا هذه الـ 40 عاما التي اركز عليها الان؟ السبب في ذلك يعود لان كلا من ادونيس وسعدي يوسف شاعر عربي كبير جدا.. وكلاهما رائد. اما جلال طالباني فهو زعيم كردي عراقي كبير جدا. والثلاثة تخطوا السبعين من العمر بل ان ادونيس تخطى الثمانين. ادونيس مرشح منذ سنين لجائزة نوبل وهو يستحقها عن جدارة واذا لم يحصل عليها فان خسارة نوبل بادونيس اكبر من خسارة ادونيس بها. وسعدي واحد من اهم من كتب الشعر بعد السياب الخالد. واما طالباني فتاريخه ليس محل شك. فهو يمارس السياسة منذ ستين عاما. وتدرج من عضو بسيط في الحزب الديمقراطي الكردستاني الى اللجنة المركزية الى المكتب السياسي ومن ثم الامانة العامة. قاد انشقاقا ضد البارزاني مع انه ظل لسنين طويلة يحتفظ بشعرة من شعر البارزاني لشدة اعجابه به. فاوض جمال عبد الناصر ايام كان عبد الناصر احد ثلاثة زعماء يحسب لهم حساب في العالم الثالث وهم فضلا عنه نهرو وتيتو. اسس حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني قبل نحو 35 عاما وقبلها كان منتميا للاشتراكية الدولية وهي العضوية التي اهلته مؤخرا ليصبح نائبا اول لرئيسها. قاد الثورة الكردية في الجبال وهبط الى بغداد مفاوضا حكوماتها المختلفة منذ عبد الكريم قاسم حتى صدام حسين. بعد التغيير عام 2003 اصبح عضوا في مجلس الحكم واحد رؤسائه التسعة ومن ثم اول رئيس منتخب للعراق وهو ايضا اول رئيس جمهورية عراقي كردي. هذا المنصب يحتفظ به منذ نحو خمس سنوات وهي مدة على اية حال ليست قليلة لاسيما بالنسبة لتجربة مثل تجربته وعمر مثل عمره. هذه المقدمة الطويلة العريضة التي ربما لم يفهم من رطانتها القارئ شيئا اراها ضرورية لما اريد قوله تعليقا على ما صرح به الشاعر الكبير سعدي يوسف بشان اللقاء الذي جمع في السليمانية الشاعر ادونيس بالرئيس طالباني قبل ايام حيث يزور ادونيس اقليم كردستان بدعوة ادبية. فمما قاله سعدي يوسف ان طالباني اراد بهذا اللقاء تزكية له لكي يستمر كرئيس جمهورية لمدة مقبلة. لقد قرات هذا التصريح عدة مرات ومع انني فهمته من المرة الاولى وللوهلة الاولى الا انني تعمدت الا افهم مغزاه عسى ان اجد عذرا للاستاذ سعدي او مبررا لما قال لكي اقنع نفسي ان ما اراد التعبير عنه يندرج في اطار فلسفي او فكري او رمزي قد لايفهمه كل من هب ودب. لكن المشكلة ومربط الفرس وبيت القصيد ان القول مفهوم ولايحتاج الى تفسير او تاويل. فالاستاذ سعدي اراد التعليق على لقاء ادونيس بالطالباني وعلى طريقة من يريد ان يذم التفاح فيقول له يا احمر الخدين لم يجد ابو حيدر سوى ان يجعل من ادونيس هو صاحب الفضل في هذا اللقاء لكن ليس مدحا بادونيس بل امعانا في ذم الطالباني من قبيل التاكيد ان الرئيس طالباني اراد من هذا اللقاء ان يكون جواز مرور له للاحتفاظ بمنصب رئيس الجمهورية للسنوات الاربع المقبلة. اعتقد ان سوق الشعر والشعراء سترتفع ليس بعد لقاء طالباني بادونيس الذي هو ليس اكثر من لقاء عابر ولا اريد ان اضيف عليه من عندي ما لا املك من تاويلات بل عقب تصريح سعدي. فهناك على امتداد العالم العديد من الرؤساء والملوك ممن هم بحاجة الى البقاء على كراسيهم مدة اطول.ولان الانتخابات قد تكون مزعجة وربما مكلفة كما ان النسب التي يحصلون عليها باتت كلها تقترب من الـ 90 % حينا والـ 99 % حينا اخر فان تكرار مثل هذه الارقام اصبح مقرفا حقا وبالتالي فان الطريقة الجديدة التي سوف تحسب طبقا لتاويل سعدي يوسف للرئيس طالباني تقوم على قيام كل رئيس دولة توشك ولايته على الانتهاء باستقبال شاعر كبير ويفضل فوق الثمانين ومرشح لجائزة نوبل او حاصل عليها ( بعد احسن ) لانها باتت الطريقة الوحيدة التي يمكن ان تجعل اي رئيس دولة يحتفظ بكرسي الرئاسة وهو مغمض العينين والنظارتين. ولاننا الان امام ازمة رئاسية من نوع اخر في عالمنا العربي وتتمثل بمطالبة المحكمة الدولية القاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير فلا ندري ان كانت وصفة الاستاذ سعدي الرئاسية تنطبق على الرؤساء المطاردين ام لا.. وفي حال انطبقت على البشير فهل المطلوب منه استقبال شعراء مرشحين لنوبل ام لسلطان العويس. وكم شاعر يحتاج البشير حتى يتخلص من المحكمة الدولية وهل يستقبل هؤلاء الشعراء قبل الاكل ام بعده .. والاهم في هذا كله .. هل الاستاذ سعدي يوسف واحد منهم ام انه لايريد ان يمنح اي رئيس عربي تزكية سواء للبقاء في منصبه او للخلاص من اوجاع المحكمة الدولية؟