مارس 19، 2009

الصراع على النفط بين بغداد وإقليم كردستان



نزار آغري

ما تنفك حكومة إقليم كردستان تبرم العقود النفطية مع شركات أجنبية، تمنح فيها امتيازات كبيرة مع إعفاءات ضريبية، تعتبرها الحكومة الاتحادية تنازلاً كبيراً لتلك الشركات. وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية أن المسؤولين الأكراد يعتبرون "أسخياء جداً" مع الشركات الأجنبية. وبحسب الخبراء فإن شركة "أداكس بتروليوم" المدرجة في تورونتو ولندن ستضخ 150 الف برميل يومياً من الحقول النفطية في كردستان في غضون سنتين. ويرى البعض أن الشركة ستُجبر حتماً على إعادة التفاوض لفرض شروط أقل "سخاء" مما فرضه القادة الأكراد، الذين يوجد بينهم من يُتهم بـ "مساومات" سرية مع الشركات.
وترى أوساط في الحكومة العراقية أن الزعماء الأكراد بالغوا مبالغة كبيرة في الإستفادة على حساب الآخرين واستخدموا كل الوسائل لتمرير مشاريعهم، علماً أنهم كانوا على تواصل مستمر مع نظام صدام حتى قبل أيام من سقوطه وكان يقدم لهم مساعدات مختلفة على صعيد الاستفادة من تهريب النفط.
وجاءت زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني الى كوريا الجنوبية لتخلق المزيد من التعقيد والتأزم في العلاقة ما بين الحكومة الاتحادية والأطراف الكردية، فهي تبدو بمثابة زيارة "سرية" من وراء ظهر الحكومة وذلك لعقد صفقات نفطية. وثمة من يقول ان رئيس الوزراء نوري المالكي لم يكن على علم بان الوفد المرافق للرئيس طالباني سيشمل رئيس وزراء اقليم كردستان نيجيرفان البارزاني ووزراء من حكومة الاقليم. ويقال ان الرئيس طالباني ابرم مع نظيره الكوري الجنوبي لي ميونج صفقة بقيمة ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار لمصلحة المؤسسة الكورية الوطنية للنفط، والتي سبق ان وضعتها وزارة النفط العراقية في القائمة السوداء بسبب ابرامها عقوداً نفطية مع حكومة اقليم كردستان من ضمنها ادارة حقلين هما قوش تبة وسنجاو الجنوبي، وتملك حصصا بين 15 و20 في المئة في ستة حقول من بينها امتياز بازيان في اقليم كردستان العراق وهو الامتياز الوحيد الذي يديره كونسورسيوم يضم شركة "اس.كيه انرجي" أكبر شركة تكرير في كوريا الجنوبية.
وترى مصادر عراقية ان توقيع الصفقة لمصلحة المؤسسة الكورية للنفط معناه ان قرار الحكومة الاتحادية ووزارة النفط فيها بوضعها على القائمة السوداء اصبح لاقيمة له. ويرى خبراء دوليون في الشؤون النفطية أن الصفقات التي أبرمتها الحكومة المحلية في كردستان مع شركات نفطية أجنبية لا يقبلها العقل السليم. بل إن الدكتور محمد علي الزيني المتخصص في اقتصاد الطاقة بمركز دراسات الطاقة العالمية، ومقره لبنان، يقول إنّ صفقة المشاركة في الإنتاج التي عقدت مع شركة أداكس لاستثمار حقول منطقة شيواشوك محظورة لأنها من اختصاص الحكومة المركزية فقط.
وحيال الامتيازات التي وصفت بأنها "سخية جداً" لمصلحة الشركات لا لـ"مصلحة شعبنا الكردي" يجد الخبراء، ومنهم الذين تحدّثوا لصحيفة "التايمز" البريطانية، أنّهم لا يستطيعون إلا أن يشككوا بنزاهة من كانوا وراء هذه الصفقات النفطية. وخبراء الشركات النفطية نفسها يؤكدون أن حقول طاق طاق وحدها يمكن أن تشكل حقلاً عالمي الإنتاج.
ويذكر مراسل جريدة "التايمز" في أربيل داني فورتسون في تفاصيل روايته لحيثيات "الصفقات النفطية الكردية" أن ما يجري في العراق أشبه بـ"مسخرة عالمية" لم تحصل من قبل، ذلك أن العراق الذي يعد الدولة الأكبر في احتياطيات النفط، بعد السعودية وإيران، يتعرض لمهازل صفقات لا تنطبق عليها أية مواصفات في العالم.
لقد سخرت الصحيفة البريطانية من "ضحالة طموحات الصفقات الكردية " بإزاء "العسل
الأسود" الذي يسيل له لعاب "ديناصورات" النفط في العالم.
وكان مجلس الوزراء العراقي صادق بالإجماع مطلع شباط 2007 على قانون النفط والغاز، لكن التحالف الكردستاني اعترض على القانون بعد إجراء مجلس شورى الدولة تعديلات على بعض فقراته التي اعتبرها التحالف الكردستاني غير دستورية. وترى الحكومة المركزية أن صفقات الحكومة الكردية غير قانونية، لذلك هدّدت بمنع أية شركة تتعامل مع الأكراد من عروض الحقول العملاقة في الجنوب. ولهذا السبب بقيت شركات عالمية كبيرة، مثل "بريتيش بتروليوم" و"شيل" و"توتال"، بعيدة عن كردستان. إنّ مثل هذه الشركات الكبيرة تأمل الآن أنْ تنال "ثمرة صبرها" على حد تعبير "التايمز".
وأطلق مستثمرون أكراد، ينتمون إلى الحزبين الكرديين الرئيسين، مع شركاء أجانب مشاريع عقارية كبيرة نفذ بعض منها فيما لا تزال مشاريع أخرى قيد التنفيذ.
وكشف رئيس هيئة الاستثمار في إقليم كردستان عن أن حجم الاستثمارات الإجمالي في الإقليم وصل عام 2008 إلى 16 مليار دولار أعلنت عنها شركات القطاع الخاص وقالت إنها ملتزمة بتنفيذها على مدى السنوات المقبلة. ولم تباشر أي من تلك الشركات تنفيذ مشاريعها المقررة.
تؤكد الحكومة العراقية أن الخزينة العامة لحكومة كردستان المحلية تشكل اهتماماً ثانوياً للمسؤولين الأكراد فجل اهتمامهم منصب على مصالحهم الشخصية. وحتى لو كان النفط كله خاضعاً لمنطقة كردستان من دون العراق فلن يغير ذلك من الوضع القائم في الإقليم.
وتؤكد الحكومة أن سيطرة الزعماء الأكراد على الموارد المالية والعائدات النفطية تعود إلى فترة حكم صدام حسين. ويشكل هذا الأمر نقطة خلاف سرية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم. وتبعاً للأوساط الحكومية فإن مقادير هائلة من المال استولى عليها الزعماء الأكراد من خزينة الدولة العراقية قبل سقوط حكومة صدام حسين. ولدى الحكومة وثائق جرى الاستيلاء عليها بعد سقوط نظام الرئيس السابق تكشف عن تعاملات مالية جرت بين ابني صدام حسين، عدي وقصي، وزعماء الحزب الديموقراطي الكردستاني.
وكانت صفقة كبيرة تمت بين حكومة صدام حسين والحكومة التركية والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. وتستند الحكومة، فضلاً عن الوثائق الدامغة، إلى كتاب "أسرار صدام" للكاتب الأميركي تيم تريفان للوقوف على تفاصيل هذه الصفقة التي كانت تقضي بتقاسم الأرباح السنوية على هذا الشكل: 300 مليون دولار للحكومة العراقية. 165 مليون دولار للحكومة التركية، 58 مليون دولار للحزب الديموقراطي الكردستاني.
كذلك فإن الحكومة تطالب باسترجاع الأموال التي كان تم نقلها من مصارف بغداد إلى المسؤولين الأكراد بالتنسيق مع بول بريمر بعد سقوط حكومة صدام حسين. وتقول المصادر الحكومية أن مروحيات أميركية، في عملية لم يعرفها أحد تفاصيلها الكاملة، وصلت إلى محافظة إربيل محملة بالنقود في الأيام الأخيرة لسلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية، لإفراغ الأموال تحت الحراسة المشددة.
لقد قام الحاكم الأميركي للعراق بول برايمر، وقبل مغادرته بغداد، بنقل هذه المبالغ، وهي من الإيرادات النفطية قَبْلَ الحربَ، إلى إقليم كردستان وأعطاها للمسؤولين الكبار من الحكومة الكردية. ويقول محمود عثمان، النائب الكردي في البرلمان العراقي الحالي، أن الشحنة إلى أرسلها برايمر نقداً إلى اربيل كانت محاولة لشراء صمت الزعماء الأكراد.
هكذا فإن الخلافات المستديمة بين حكومة بغداد وحكومة أربيل تدور بالأساس على المال والنفط ولكنها تظهر في ثوب مشاكل ظرفية من قبيل مجالس الإسناد وميزانية الإقليم وتواجد البيشمركة وماشابه.
عن جريدة النهار