مارس 19، 2009

القطاع الشمالي في العراق كان يوصف بأنه نموذج لبقية البلد لكن الأمر لم يعد كذلك، كما يقول الأكراد


لينوكس صامويلز

حتى يغيب الرجل العجوز عن الصورة، فإن كل شخص آخر من المتعطشين للسلطة في كردستان العراق في حالة انتظار. وعلى الرغم من المرض المزمن في الركبة وعملية القلب التي أجراها في مايو كلينيك في أغسطس الماضي، فإن الرئيس العراقي جلال طالباني، البالغ من العمر 75 عاما، لايزال صامدا. وحاليا لايزال مع منافسه القديم مسعود بارزاني (وعائلاتهما وأجهزتهما السياسية) يحكمان الجزء الأكبر مما يستحق السيطرة عليه في المحافظات العراقية الشمالية الثلاث التي تشكل منطقة الحكم الذاتي هذه. فالمناصب الحكومية مشغولة من قبل أقاربهما. وبارزاني نفسه رئيس حكومة إقليم كردستان فيما ابن أخيه نيتشرفان هو رئيس الوزراء وابنه مسرور يتولى شؤون المخابرات. أما ابن طالباني، قباد، فهو مندوب الأكراد في واشنطن، فيما يتولى ابن أخ للرئيس الاستخبارات المضادة. كان المؤيدون يوما يصفون كردستان بأنها نموذج لعراق ديموقراطي، بل أيضا لعملية تغيير شاملة في الشرق الأوسط. لكن أقل ما يقال هو أن المكان يبدو أكثر فأكثر منطقة إقطاعية جامدة.
وقد كانت كردستان الجزء المفضل من العراق بالنسبة إلى أمريكا، حيث كانت، بما تتميز به من هدوء واستقرار وميل نحو الغرب وغلبة النزعة العلمانية والرأسمالية، ملاذا آمنا من الفوضى وسفك الدماء اللذين انغمست فيهما باقي أجزاء البلاد، لكنها لم تكن أبدا كاملة الأوصاف، لا في الماضي ولا حاليا، فالفساد مستشر واحترام حقوق الإنسان ناقص والحياة المدنية تحت سيطرة نفس الحزبين: الحزب الكردستاني الديموقراطي بزعامة بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني. ومع ذلك كان باستطاعة معظم الأكراد أن يتعايشوا مع هذه المثالب ما دامت الحكومة الإقليمية تدافع عن الحكم الذاتي الذي حصلوا عليه بشق الأنفس وتبعد عنهم الانتحاريين.
ولكن مع تنامي انفتاح بقية العراق وديموقراطيته، بقي القطاع عالقا في أساليبه القديمة، وبدأ الأكراد العاديون يلاحظون ذلك. ونجد الآن أن رجال الأعمال يسعون إلى إقامة شراكات مع رجال محسوبين على الحكومة والناخبين يطالبون بخيارات أوسع. وقد توصلت دراسة استطلاعية حديثة إلى أن 83 بالمئة من المستجيبين يقولون إن التغيير واجب في المنطقة. يقول موسى رسول، البالغ من العمر 39 عاما، وهو صاحب شركة صغيرة في بلدة سنغاسار:" لقد مللنا من الحكومة التي تتجاهل الشعب". ويتفق مسؤول كردي مع القول إنه لا يجب إهمال هذه الشكاوى. ويقول في تصريحات لنيوزويك، طالباً عدم ذكر اسمه في موضوع خطير مثل هذا: "إن لم نستجب، سيأتي آخرون ويسيطرون على المنطقة، سواء كانوا الإسلاميين أم غيرهم. إننا لا نستطيع أن نعتمد بعد الآن على الخطاب الثوري لتبرير شرعية حكمنا".
قد تكون هذه التحذيرات مضيعة للوقت عندما توجه للعشيرتين العظيمتين في كردستان. أسس طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975 كمجموعة يسارية تحدت الحزب الكردستاني الديموقراطي بوصفه الحزب "الإقطاعي القبلي البرجوازي اليميني الانهزامي" التابع لعائلة بارزاني. ويقال إن آلافا من الفريقين قتلوا قبل أن يوقع الطرفان اتفاقا رسميا لوقف النار عام 1998 ويرسما صورة المنطقة. وقد تجاوز الجانبان خلافاتهما الإيديولوجية منذ زمن بعيد، ولا يخفي أي منهما رغبته في جني ما استطاع من المكاسب، ابتداء بحصة المنطقة من الموازنة العامة، والتي بلغت ستة مليارات دولار العام الماضي. ويقول مسؤولون أكراد إن كل واحد من الحزبين يقتطع من رأس الكومة 35 مليون دولار شهريا، رغم أن زعيمي الحزبين ينكران معرفتهما بهذه المبالغ.
لكن حتى الموازنة الكردية لا تكشف. ويشكو مسؤول كردي رفيع المستوى قائلا: "نريد موازنة [إقليمية] شفافة". ويتفق معه غالبية الأكراد. فحسب استطلاع للرأي العام أجري في فبراير من قبل معهد كردستان للقضايا السياسية ومقره أربيل، فإن 94 بالمئة من المستجيبين قالوا إن على الحكومة الإقليمية أن تجعل الموازنة علنية وأن تحدد كيف وأين تتفق الأموال.
بولغ كثيرا في مدح اقتصاد كردستان المزدهر، لكن المنطقة مكسوة ببقايا المشاريع الإنشائية التي لم تكتمل. ومعظم المستثمرين الأجانب الذين أثبطت هممهم بسبب الروتين الحكومي والإرباك قد أصبحوا مترددين في الاستمرار. ويقول مسؤول سابق في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني إنه ليس هناك شركة نفط تعمل في كردستان من دون دفع عمولات لمسؤولين حزبيين أو حكوميين. وقد كانت نيوزويك حاضرة في اجتماع جرى منذ فترة قريبة اشتكى فيه رجل أعمال محلي لكبار المسؤولين الأكراد أن رجال الأعمال يضطرون إلى دفع الملايين لمسؤولين بيروقراطيين في الأحزاب للفوز بعقود. وكان رد المسؤولين أن عبروا عن أسفهم وتعاطفهم.
لكن لا أحد من الحزبين يتحمل النقد كما يجب. ويتحدث صحافيون محليون عن عمليات ضرب وتهديدات بالقتل وحتى اتهامات بالخيانة. أما المنشقون فإنهم يتلقون معاملة أقسى من ذلك بكثير. يقول جوزيف لوغان من هيومان رايتس ووتش: "هناك مزاعم منتشرة وقابلة للتصديق بوجود حالات تعذيب واعتقال أشخاص لسنين من دون أي التزام يذكر بالأصول". ويصف تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول حقوق الإنسان الممارسات القمعية في سجون الحكومة الإقليمية، بما فيها التعذيب بالصدمات الكهربائية والضرب و"التعليق في أوضاع مزعجة".
يقول منصور بارزاني إنه يبذل ما بوسعه كرئيس لجهاز المخابرات والشرطة لتصحيح أي مشاكل في السجون تحت إشرافه. ويقول إن الفكرة تتلخص في بناء "مؤسسة تطبق المعايير الدولية بشكل أفضل وتكون قوية بما يكفي للصمود في وجه التحديات وتكون في الوقت نفسه حديثة وحضارية من حيث حماية المواطنين ومن ناحية أدائها لواجبها". يعترف لوغان لمنصور بارزاني بالفضل لأنه يسمح لمحققي هيومان رايتس ووتش بتفقد السجون بحرية، لكنه يضيف: "هناك حالات موثقة جيدا لتحرش بصحافيين عبروا عن آرائهم الناقدة للقيادة السياسية. إن كان الرد على النقد الحاد هو إيذاء النقاد... إذن تستطيع القول إن التجربة [مع الانفتاح] لم تثمر".
ويكره الأكراد أن يروا نظامهم السياسي متخلفا وراء نظيره الخاص ببقية العراقيين، حيث كانت الانتخابات التي جرت في أرجاء البلاد في يناير لاختيار المجالس المحلية عرضا مثيرا للإعجاب للديموقراطية المنفتحة شهد خروج الكثير من المسؤولين من مناصبهم. وعلى عكس ذلك، نجد أن الأكراد لايزال عليهم أن يجروا الانتخابات الخاصة بهم، وقد لمح الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الكردستاني الديموقراطي إلى أنهما ينويان طرح قائمة موحدة "مغلقة". فبدلا من توفير خيارات حقيقية، سوف ينتج عن صناديق الاقتراع قائمة مرشحين مختارين من كلا الحزبين المسيطرين.
ويصر مسؤولون من هذه الأحزاب على أن قادتهم مستعدون لتقبل الآراء المخالفة. يقول مسؤول كبير في الاتحاد الوطني الكردستاني: " لقد كان جلال طالباني مستعدا أكثر من الكثير من الآخرين للاستماع والتغيير". وقد وعد الحزب أنه سيعمل نحو مزيد من الشفافية وقيود أقل. ويقول عضو في اللجنة المركزية للحزب الكردستاني الديموقراطي إن حزبه أيضا يعمل نحو الانفتاح. ويقول: "يريد مسعود بارزاني أن يراه الناس كرئيس لكردستان أكثر من شخص يسعى لتنفيذ أجندة الحزب". ويجادل بيتر غالبريث، وهو سفير أمريكي سابق في كرواتيا ومناصر قديم لكردستان، بالقول إن الظروف تتحسن هناك. يقول: "أعتقد أن الكثير من التقدم قد تحقق"، لكنه يعترف أنه "من وقت لآخر تظهر أشياء لا يود المرء أن يراها". ويقول أحد الغربيين المؤيدين للأكراد، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع، إن شعب كردستان له أولوياته الخاصة. يقول: " إن القضية القومية في غاية الأهمية بالنسبة للأكراد لدرجة أن القضايا الأخرى، مثل الدمقرطة، تقبع في الصفوف الخلفية".
ولا يتفق كل الأكراد معه، ويقولون إن على الأحزاب أن تبدأ بعملية التنظيف سريعا. يقول المسؤول الكردي البارز: "إنك لا تستطيع أن تبرر شرعية حكمك بناء على شيء فعلته قبل 20 عاما. بإمكاننا أن نكون حزبا من الماضي وينتهي بنا الحال مثل فتح في فلسطين، أو أن نجدد أنفسنا مثل حزب العمل في المملكة المتحدة". والوقت المتاح لاتخاذ القرار إلى نفاد.
بمشاركة فرهاد مراسل