مارس 19، 2009

الأمير والحاجب في السياسة الكردية





نزار آغري

في قصته الشعرية "مم وزين" يتحدث أحمدي خاني عن الأمير زين الدين فيحدد نسبه ويعين سلالته ويصف سخاءه ويشيد بكرمه. ثم أنه يشير إلى لجوء الأمير إلى تعيين بكو حاجباً له ( أو وزيراً أو رئيس ديوان في بعض الإشارات ) فيركن إلى نصائحه ويطمأن لحضوره ويستشيره في كل صغيرة وكبيرة. إنه الخادم لسلطته، الحافظ لسره، الحارس لخزينته ( ولابأس إن سرق منها بين الحين والآخر )، الساهر على مصالحه وتجارته ومنافعه.
يجسد السيد مسعود البرزاني الشخصية الأميرية التي صورها أحمدي خاني أفضل تجسيد. فهو، مثل الأمير زين الدين، وارث الإمارة من عائلة ذات حسب ونسب، وهو شديد الإلتصاق بالخصال العشائرية والدينية والسلوك الريفي البسيط من حيث التشبث بالقيم التقليدية من كرم وسخاء ومروءة وسعة صدر......الخ.
وكما كان الأمير زين الدين اتخذ من بكو حاجباً ( أو وزيراً أو رئيس ديوان) رغم شخصيته الشريرة، فإن السيد مسعود البرزاني يفعل الشيء نفسه. لقد اتخذ له حاجباً يتقاطع مع بكو في سلوكه وأخلاقه. كان زين الدين على دراية بأفعال بكو وموبقاته ومع هذا فقد أدخله إلى الأمارة وعينه حاجباً ( أو وزيراً أو رئيس ديوان ) وأسند إليه مهمات سرية وأطلق يده في الأمارة وسلمه مفتاح الخزينة والأسرار.
والسيد مسعود البرزاني على دراية بالتأكيد بسلوك حاجبه ( وليكن إسمه فلان) ويعرف أخلاقه معرفة جيدة. فهو يعرف كل شيء عن ماضيه وعلاقاته السابقة. لايختلف هذا الشخص عن بكو من جهة الموبقات والرذائل. مع هذا لم يجد السيد مسعود البرزاني حرجاً في إدخال هذا الشخص إلى إمارته وإسناد المهمات إليه ومنحه القصر والإغداق عليه بالعطايا.
ويقال أن بعضهم سأل السيد مسعود البرزاني: لماذا تأوي هذا الحاجب وتكرمه وتمنحه القصور والأموال مع أنه كان مرتبطاً بنظام صدام حسين الذي كاد أن يبيد الأكراد وأهلك أكثر من 8000 برزاني؟ فأجاب السيد مسعود ( والعهدة على الراوي): لقد استخدم صدام هذا الشخص ضدنا في وقت من الأوقات وأنا استخدمه ضد خصومي. لقد استفاد منه صدام لمآربه وأنا أستفيد منه لمآربي.

قصيدة أحمدي خاني:

نحن معشر الأمراء مثل الطواحين كثيرو الحركة والفتل والدوران
نحن بحاجة إلى طاحوني يدير المطحنة أو حاجب يقف بالباب
بالرغم من أن بكر هو ابن زانية فإن طاحونتنا لاتتوقف عن الدوران بفضله
هذه الزمرة من الناس شريرة ومفسدة وخبيثة ولكنهم يتقنون حراسة الأبواب
إنهم يديرون طاحونتنا ويطحنون قمحنا نحن معشر المستبدين
فبالرغم من أن مطحنتنا هي ملك للعامة جميعاً غير أن جيوبنا مليئة بالمال الحرام
إن جميع البوابين هم مجرد كلاب.
بعض الأمراء يفضلون كلاب الصيد على العدل والإنصاف
إن بكر حاقد مخبيث ومدبر فتن، باختصار إنه مزور كبير

يقارب أحمدي خاني في هذه الأبيات سيكولوجية الأمير من جهة والسيكولوجية التي يملكها الحاجب من جهة أخرى.
كان أحمدي خاني خلع على الأمير زين الدين أفضل الصفات وصوره في أحسن تقويم في بداية قصته الشعرية. وها نحن هنا أمام الأمير نفسه يتحدث عن نفسه ( وعن معشر الأمراء عامة ) بشكل مكشوف محاولاً الكشف عن دخيلته وإظهارها للملأ عارية. إن السلطة مفسدة على ما يريد أحمدي خاني القول. ولا يستطيع أي أمير، مهما كان فاضلاً ونبيلاً وكريماً، أن يقف في وجهها وينجو من لوثتها. لقد حولت السلطة الأمير زين الدين إلى شخص محتال، فاسد، غشاش لا يتورع عن سرقة أموال الناس وأكل الحرام. السلطة هي التي تدفعه إلى التمسك ببكو وأمثاله لأنهم، بأحابيلهم، يستطيعون حماية مصالحه وحراسة كنوزه من أيدي العوام الذين قد يخطر لهم يوماً وقف الأمير عند حده.
إذا كان دور الجند ( الجيش ) يكمن في حماية الأمير من هجوم الأعداء المحتملين، في الداخل والخارج، وردعهم بقوة السلاح فإن دور الحاجب يقوم في السهر على الدعاوة للأمير وتبرير سلوكه ومجاراة الوضع القائم ونقل تقارير يومية عن المعارضين والمخالفين والمنتقدين واللجوء إلى تضخيم خطر هؤلاء والإيحاء بوجود مؤامرة تستهدف الإطاحة بالأمير وبإمارته. الحاجب يفعل كل ذلك لديمومة الإمارة إذ أن وجوده في موقعه الباذخ مرهون باستمرار الإمارة وبقاء الأمير.
الحاجب، كما يدل إسمه، يحجب الحقيقة عن الأمير ويقدم له بدلاً منها حفنة من الأكاذيب التي يتقن صنعها ويبرزها على أساس أنها هي الحقيقة. هو يسعى على الدوام لأن يخلق عند الأمير شعوراً دائماً بالتوتر عبر التأكيد على أن من يقومون بانتقاد الأمير وأتباعه وحاشيته ويفضحون سلوكهم الخاطئ ويكشفون عن فسادهم وجشعهم لا ينطلقون من دوافع نبيلة بل هم يضمرون الشر للأمير وعائلته. وهو بهذا يحاول الإيحاء للأمير بأنه هو، وليس غيره، الحريص على الأمير وعلى إمارته، أكثر من كل الناس. هو بذلك يعمل من أجل تعزيز مكانته لدى الأمير ورفع سهمه في الإمارة فتزداد مكافئته وتترسخ حظوته ويصبح مقرباً من الأمير أكثر فأكثر من بين كل الأتباع والخدم والحاشية.
إلا أن رسوخ هذا السلوك هو الخطوة الأولى على طريق الانهيار الحتمي للإمارة. الإمارات الفاسدة لاتدوم. إن الحاجب يساهم، عن قصد، في تدشين مجتمع سقيم تغيب فيه مقومات الحرية والمكاشفة والنقد. إنه مجتمع متماسك من الخارج ولكنه مريض متهالك من الداخل. وحين يأتي اليوم الذي تنهار فيه الإمارة سوف يهرب الحاجب من البلاد كما تهرب الجرذان من سفينة غارقة ويمضي للبحث عن أمير جديد في إمارة جديدة لممارسة دوره المهلك حتى إشعار آخر.
والآن لنتساءل: لماذا خاطر الأمير زين الدين بسمعته ومكانة إمارته واختار بكو حاجباً ( أو وزيراً ) له؟
لابد أن يكون الجواب أن الفائدة التي كان يجنيها من وجود بكو إلى جانبه في الأمارة أكبر واهم من سمعة الإمارة. ونترك أمر البحث عن التفاصيل لدارسي القصة الشعرية لأحمدي خاني لنعود ونطرح السؤال نفسه ولكن في ما يتعلق بالأمير الكردي في القرن الواحد والعشرين وفي إمارة ترفع لواء الديمقراطية والشفافية والعدالة وحقوق الأفراد.
لماذا يعمد السيد مسعود البرزاني إلى الاستعانة بأمثال بكو على حساب سمعته وسمعة عائلته وسمعة الحكومة التي يتولى رئاستها؟